و روي: أنّ عليّ بن
الحسين عليه السلام لمّا سمع ما سمع من الخاطب لعنه اللّه قال ليزيد: اريد أن تأذن
لي أن أصعد المنبر فأتكلّم بكلمات فيهنّ للّه رضا و لهؤلاء الجلساء أجر، فأبى
يزيد.
فقال الناس: يا أمير
المؤمنين ائذن فليصعد، فلعلّنا نسمع منه شيئا.
فقال: إنّه إن صعد لم
ينزل إلّا بفضيحتي و بفضيحة آل أبي سفيان.
فقيل له: و ما قدر ما
يحسن هذا؟
فقال: إنّه من أهل بيت
قد زقّوا العلم زقّا.
قال: فلم يزالوا به حتّى
أذن له، فصعد المنبر[2]، فحمد
اللّه و أثنى عليه، ثمّ
[2] في« ح»: حكي عن الشعبي الحافظ لكتاب اللّه عزّ
و جلّ أنّه قال: استدعاني الحجّاج بن يوسف يوم الأضحى فقال لي: أيّها الشيخ أيّ
يوم هذا؟ فقلت: هذا يوم الأضحى، قال: بم يتقرّب به الناس في مثل هذا اليوم؟ فقلت:
بالأضحية و الصدقة و أفعال البرّ و الخير.
فقال: اعلم أنّي قد عزمت اليوم أن
اضحّي برجل حسيني.
قال الشعبي: فبينما هو يخاطبني إذ
سمعت من خلفي صوت لسلسلة و حديد فخشيت أن ألتفت فيستخفني، و إذا قد مثل بين يديه
رجل علوي و في عنقه سلسلة و في رجليه قيد من حديد، فقال له الحجّاج: أ لست فلان بن
فلان؟. قال: نعم.
فقال له: أنت القائل إنّ الحسن و
الحسين من ذرّيّة رسول اللّه؟
قال: ما قلت و ما أقول، و لكنّي
قلت و أقول: إنّ الحسن و الحسين ولدا رسول اللّه و فرخاه، و إنّهما دخلا في ظهره و
خرجا من صلبه على رغم أنفك يا حجّاج.
قال: و كان الملعون مستندا فصار
جالسا و قد اشتدّ غيضه و غضبه و انتفخت أوداجه حتّى تقطّعت أزرار بردته فدعا ببردة
غيرها فلبسها، ثم قال للعلويّ: يا ويلك إن لم تأتني بدليل من القرآن يدلّ على انّ
الحسن و الحسين ولدا رسول اللّه دخلا في ظهره و خرجا من صلبه و إلّا لأصلبنّك و
لأقتلنّك في هذا الحين أشرّ قتلة، و إن أتيتني بدليل يدلّ على ذلك أعطيتك هذه
البدرة الّتي بيدي و خلّيت سبيلك.
قال الشعبي: و كنت حافظا لكتاب
اللّه تعالى كلّه و أعرف وعده و وعيده، و ناسخه و منسوخه، فلم تخطر على بالي آية
تدلّ على ذلك، فحزنت في نفسي يعزّ و اللّه عليّ ذهاب هذا الرجل العلوي.
قال: فابتدأ الرجل يقرأ الآية
فقال: بسم اللّه الرحمن الرحيم، فقطع عليه الحجّاج قراءته و قال: لعلّك تريد أن
تحتجّ عليّ بآية المباهلة.[ و هي قوله تعالى: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ
أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ سورة آل عمران: 61].
فقال العلوي: هي و اللّه حجّة
مؤكّدة معتمدة، و لكنّي آتيك بغيرها، ثمّ ابتدأ يقرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ
يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ- وَ زَكَرِيَّا
وَ يَحْيى[ سورة الأنعام: 84- 85] و سكت فقال له الحجّاج: فلم لا قلت و عيسى
أنسيت عيسى؟
فقال: نعم صدقت يا حجّاج، فبأيّ
شيء دخل عيسى في صلب نوح عليه السلام[ و ليس له أب؟ فقال له الحجاج: انه دخل في
صلب نوح] من حيث امّه، فقال العلوي: و كذلك الحسن و الحسين دخلا في صلب رسول
اللّه من امّهما فاطمة الزهراء.
قال: فبقي الحجّاج كأنّما ألقي
حجر في فيه.
فقال له الحجّاج: ما الدليل على
أنّ الحسن و الحسين إمامان؟ فقال العلويّ: يا حجّاج، لقد ثبتت لهما الامامة بشهادة
الرسول في حقّهما لأنّه قال في حقّهما:« ولداي هذان إمامان فاضلان إن قاما و إن
قعدا، تميل عليهما الأعداء فيسفكون دماءهما و يسبون حرمهما» و لقد شهد لهم النبيّ
بالإمامة أيضا فقال:« ابني هذا- يعني الحسين- إمام ابن إما أخو إمام أبو أئمّة
تسعة». فقال الحجّاج: يا علويّ و كم عمر الحسين في دار الدنيا؟
فقال: ثماني و خمسون سنة. فقال
له: و في أيّ يوم قتل؟
قال: اليوم العاشر من المحرّم بين
الظهر و العصر.
فقال: و من قتله؟
فقال: يا حجّاج، لقد جنّد الجنود
ابن زياد بأمر اللعين يزيد لعنه اللّه، فلمّا اصطفّت العساكر لقتاله فقتلوا حماته
و أنصاره و أطفاله و بقي فريدا، فبينما هو يستغيث فلا يغاث، و يستجير فلا يجار، يطلب
جرعة من الماء ليطفئ بها حرّ الظمأ، فبينما هو واقف يستغيث إلى ربّه إذ جاءه سنان
فطعنه بسنانه، و رماه خولي بسهم ميشوم فوقع في لبته، و سقط عن ظهر جواده إلى الأرض
يجول في دمه، فجاءه الشمر لعنه اللّه فاجتزّ رأسه بحسامه و رفعه فوق قناته، و أخذ
قميصه إسحاق الحضرمي، و أخذ سيفه قيس النهشلي، و أخذ بغلته حارث الكندي، و أخذ
خاتمه زيد بن ناجية الشعبي، و أحاط القوم بخبائه، و عاثوا في باقي أثاثه، و أسبوا
حريمه و نساءه.
فقال الحجّاج: هكذا جرى عليهم يا
علوي، و اللّه لو لم تأتني بهذا الدليل من القرآن و بصحّة إمامتهما لأخذت الّذي
فيه عيناك، و لقد نجّاك اللّه تعالى ممّا عزمت عليه من قتلك، و لكن خذ هذه البدرة
لا بارك اللّه لك فيها؛ فأخذها العلوي و هو يقول: هذا من عطاء ربّي و فضله لا من
عطائك يا حجّاج، ثمّ إنّ العلويّ بكى و جعل يقول:
\sُ صلّى الإله و من يحفّ بعرشه\z و الطيّبون على النبيّ
الناصح\z\E\sُ و على قرابته
الّذين نهضوا\z بالنائبات و كلّ خطب فادح\z\E\sُ طلبوا الحقوق فابعدوا عن دارهم\z و عوى عليهم كلّ كلب نائح\z\E[
المنتخب للطريحي: 491- 493].