صفّين لم أر أطول منهما و لا أعرض، و الروم قد ألصقوا ظهورهم
بحائط مدينتهم، فحمل رجل منّا على العدوّ، فقال الناس: لا إله إلّا اللّه ألقى هذا
بنفسه إلى التهلكة.
فقال أبو أيّوب الأنصاري
رضي اللّه عنه: إنّما تؤوّلون[1] هذه الآية
على أنّه حمل هذا الرجل يلتمس الشهادة، و ليس كذلك، إنّما انزلت فينا، لأنّا كنّا[2] قد اشتغلنا
بنصرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تركنا أهالينا و أموالنا لأن نقيم فيها
و نصلح ما فسد منها، فقد ضاعت بتشاغلنا عنها، فأنزل اللّه سبحانه إنكارا علينا لما
وقع[3] في نفوسنا
من التخلّف عن [نصرة][4] رسول اللّه
صلّى اللّه عليه و آله لإصلاح أموالنا وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ، معناه: إن تخلّفتم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و
أقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة، و سخط اللّه عليكم فهلكتم، و ذلك ردّ
علينا فيما قلنا و عزمنا عليه من الاقامة، و تحريض لنا على الغزو، و ما نزلت هذه
الآية في رجل حمل على العدوّ يحرّض أصحابه على أن يفعلوا كفعله و يطلب الشهادة
بالجهاد في سبيل اللّه رجاء ثواب الآخرة[5].
قلت: و هذا معنى قول
النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: كلّ برّ فوقه برّ حتى يخرج الرجل شاهرا سيفه في
سبيل اللّه فيقتل فليس فوقه برّ[6].