responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الورى بأعلام الهدى ط- الحديثة نویسنده : الشيخ الطبرسي    جلد : 1  صفحه : 197

فأسمع أبي و هو يقول: أتانا ما لا قبل لنا به، قالت: و كنت أرى من الناس و الخيل و السلاح ما لا أصف من الكثرة، فلمّا أن أسلمت و تزوّجني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رجعنا جعلت أظهر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى، فعرفت أنّه رعب من اللّه عزّ و جلّ يلقيه في قلوب المشركين.

قالت: و رأيت قبل قدوم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بثلاث ليال كأن القمر يسير من يثرب حتّى وقع في حجري، فكرهت أن أخبر بها أحدا من الناس، فلمّا سبينا رجوت الرؤيا، فأعتقني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تزوّجني‌[1].

و أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أصحابه أن يحملوا عليهم حملة رجل واحد، فما أفلت منهم إنسان، و قتل عشرة منهم و اسر سائرهم، و كان شعار المسلمين يومئذ «يا منصور أمت».

و سبى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الرجال و النساء و الذراري و النعم و الشياه، فلمّا بلغ الناس أنّ رسول اللّه تزوّج جويرية بنت الحارث قالوا: أصهار رسول اللّه. فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق، فما علم امرأة أعظم بركة على قومها منها[2].

و في هذه الغزوة قال عبد اللّه بن ابي‌ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ‌[3]، و انزلت الآيات و فيها كانت قصة إفك عائشة[4].


[1] المغازي 1: 408، و نقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 290/ 3.

[2] انظر: المناقب لابن شهرآشوب 1: 201، و المغازي للواقدي 1: 410، و سيرة ابن هشام 3: 307، و تاريخ الطبري 2: 62، و الوفا بأحوال المصطفى 12: 962، و نقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 290/ 3.

[3] المنافقون 63: 8.

[4] لم يعد بخاف على أحد مدى الدور الخطير الذي لعبته السياسة الأموية المنحرفة في تشويه. و تطويع الكثير من الحقائق الشرعية و التاريخية خدمة لاغراضها المشبوهة المراد من خلالها توطيد حكمهم و تثبيت قواعده، و الحط من مكانة معارضيهم و مناوئيهم و في مقدمتهم أهل بيت النبوة عليهم السلام.

و لعل الأمر ليس بعسير على أحد ادراكه من خلال استقراء الكثير من تلك الوقائع و الأخبار و ما تؤدي إليه بالتالي عند اعتقاد المسلمين بها، و التسليم بصحتها.

و إذا لم نكن هنا بمعرض التحدث عن هذا الموضوع الحساس و المهم، قدر ما أردنا منه الاشارة العرضية إلى حقيقة خطيرة كانت لها آثار وخيمة في صياغة و بناء الكثير من الآراء و المعتقدات التي يذهب إلى تبنيها البعض.

و لعل حديث الإفك المشهور، و الآيات النازلة فيه من تلك الوقائع التي تناولتها سياسة الأمويين بالتحريف و الكذب بشكل مدروس انخدع فيه الكثيرون، و سلموا بحتمية ما قرءوه من تفصيلات متعددة تصب في غرض واحد.

و الخبر كما يرويه أصحابنا و غيرهم هو أن المرأة التي رميت بهذا الإفك كانت مارية القبطية أمّ ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ليست عائشة كما هو مشهور عند الكثيرين الذين أخذوا بما سطرته السياسات المنحرفة التي كان يديرها الأمويون من أجل إضفاء صفة القدسية على عائشة التي نقلوا عنها أو نسبوا إليها من الأخبار المنحرفة عن أهل البيت عليهم السلام، مع ما عرف عنها من موقف حاد و معارض لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، كان أوضحه في خروجها عليه في وقعة الجمل المشهورة التي كانت من أعظم الفتن التي ابتليت بها الأمّة الاسلامية المذهولة بما تراه و تسمعه.

و الحق يقال: إن استقراء تلك الروايات- التي جهد واضعوها و مروّجوها في إخراجها بشكل لا يدعون فيه منفذا للطعن أو الشك- يبيّن بوضوح جملة واسعة من المؤاخذات و الردود التي تذهب إلى نفي صحة هذه النسبة، و القطع بها.

و لما كان التعرّض لمناقشة هذا الموضوع يتطلب التوسع الكثير في إيراد تفاصيل تلك الواقعة، فإن ذلك لا يحول دون الاشارة العابرة إلى بعض تلك الحقائق المهمة.

فمن الحقائق المثيرة للاستغراب كون هذا الخبر إما منقولا عن عائشة عينها، أو عن صحابي لم يكن حاضرا في تلك الواقعة، أو أنه كان حين الواقعة صغيرا لا يعقل، أو غير ذلك من العلل المضعفة للحديث، و النافية لتواتره و صحته.

هذا مع تنافي العديد من الأخبار المنقولة عن هذا الأمر مع سياق الاحداث المصوّرة من. قبل مروجي هذا الخبر و صانعيه، و التي تبعد هذه النسبة المصطنعة إلى عائشة دون غيرها من حلائل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و لعل هذا الفهم لا يكتمل دون التعرّض لما رواه الشيعة في كتبهم، و يعضدهم في ذلك بعض الآخرين، من القول بان الإفك كان مختصا بمارية القبطية و ولدها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إبراهيم، حيث طعن البعض في نسبته إلى النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ذهب إلى القول بانه من ابن جريج، ابن عم مارية، و الذي اهدي معها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و رغم أن العديد من تلك المصادر تذكر بأن عائشة المشهورة بغيرتها من بعض زوجات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و لا سيما مارية التي تذكر انها: ما غارت من امرأة دون ما غارت من مارية لجمالها، و انجابها ولد لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- كانت مصدر نشأة هذا الخبر( انظر: طبقات ابن سعد 1: 137، مستدرك الحاكم مع تلخيصه للذهبي 4: 39، البداية و النهاية 3: 305، الدرر المنثور 6: 240)، إلّا أنا لا نريد هنا الاستطراد في هذا الاتجاه عدا التلميح إلى ذلك.

و أي كان قائل ذلك الإفك العظيم فإن ترتّب جملة الوقائع اللاحقة للافك تتوافق بشكل صريح مع ما ذهبنا إليه من افترائه على مارية دون عائشة.

فالمصادر الحديثية و التاريخية المتعددة التي تذكر إرسال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السلام نحو ابن جريج- الرجل المتهم بهذا الأمر- و إظهار عجزه عن فعل القبيح لكونه ممسوحا أو مجبوبا، و ليس له ما للرجال أمام الملأ، جاء متوافقا مع نزول الآيات القرآنية المباركة في سورة النور، و التي برأت تلك المرأة الشريفة شرعيا من هذا البهتان العظيم، فكان هنا براءتان لها: شرعية، و واقعية، و هذا لم يلتفت إليه ناسجو و هم حكاية عائشة.

تم ما ذا يعني الاستفسار من زينب بنت جحش، و أم أيمن عن ذلك الأمر طالما انه حدث بعيدا عن الجميع، و في عمق الصحراء، أ ليس في ذلك تناقض صريح مع واقع الحال، و ظرف الواقعة، ثم أ ليس هو أقرب للصواب إذا سلّمنا بالرأي القائل بأنه مختص بمارية التي هي امام ناظري الجميع، و بينهم.

هذا يمثّل أحد أطراف الاستهجان و الاستغراب من هذه النسبة الباهتة، يضاف إليه ما تقرأه من تسلسل الآيات المباركة المتحدّثة عن أبعاد هذا الإفك، و كيف أنها انتقلت إلى. توبيخ المؤمنين لعدم مسارعتهم إلى تكذيب الأمر، مع أنهم كانوا بعيدين عن تلك الواقعة، عكس ما يقع عليهم في قضية مارية و التي تعيش بين ظهرانيهم صباحا و مساء أيام افتراء الإفك.

و إذا ذهبنا إلى ان مصدر التوبيخ يرتكز إلى وجوب الدفاع عن حريم الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإنه أصدق و أوضح في قصة مارية، فتأمّل.

و أخيرا نقول: ان اضفاء صفة القدسية المستوحاة من إشارة الباري عز و جل بطهارتها و عفتها و براءتها أمر لا تجد السياسة الاموية المنحرفة خيرا منه لاستثمارها حالة الخلاف الحادة التي كانت تعرف بها عائشة قبال أهل البيت عليهم السلام كما ذكرنا سابقا.

نعم ان اضفاء هذه الاعتبارات المهمة إلى شخصية عائشة يعني الكثير للامويين طالما أن لا أحد منهم يمتلك أي قدر من الاعتبار، بل على العكس من ذلك فلم ينلهم من اللّه تعالى و رسوله الا التوهين و الاستخفاف و تحذير الامّة من خطرهم و عدائهم للاسلام و أهله.

و لذا فلا غرابة أن نجد لهاث الامويين و سعيهم الدائب لشراء ضمائر بعض الصحابة المعروضة في سوق النخاسة- أمثال أبي هريرة الدوسي، و سمرة بن جندب- لمنحهم طرفا من الاعتبار قبال البناء المقدس لأهل بيت العصمة عليهم السلام.

راجع ما كتب حول قصة الإفك، و بالاخص كتاب حديث الإفك للسيد جعفر مرتضى العاملي، و انظر الروايات المحددة للواقعة بمارية في: صحيح مسلم 4: 2139/ 2771، طبقات ابن سعد 8: 214، مستدرك الحاكم و تلخيصه للذهبي 4: 39 و 40، الاصابة 3:

334، الاستيعاب بهامش الاصابة 4: 411، مجمع الزوائد 9: 116، اسد الغابة 5:

543، الكامل في التاريخ 2: 313، السيرة الحلبية 3: 312.

نام کتاب : إعلام الورى بأعلام الهدى ط- الحديثة نویسنده : الشيخ الطبرسي    جلد : 1  صفحه : 197
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست