فليس خلق الناس جميعاً ولا بعثهم إلاّ
كخلق نفس واحدة وبعثها ، فإذا كان الثاني أمراً ممكناً غير عسير فخلق الجميع وبعثهم مثله.
وقد شغلت هذه الشبهة العقول منذ عصور
غابرة ، وذلك عندما دعا موسى فرعون إلى عبادة الربّ فخاطبه فرعون بقوله : (فَمَن
رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ) فأجاب موسى ، بقوله : (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي
أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ).
وعندها دار بينه وبين فرعون ذلك الحوار
الذي نوّه فيه إلى تلك الشبهة والتي يذكرها الذكر الحكيم بقوله : (قَالَ
فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَىٰ
* قَالَ عِلْمُهَا عِندَ
رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى). [١]
يقول فرعون : فما بال الأُمم الماضية ،
فانّها لم تقر بالله ومن تدعو إليه ، بل عبدت الأصنام والأوثان مثل قوم نوح
وعاد وثمود ؟ فيجيب موسىٰ بأنّ أعمالهم محفوظة عند الله ومكتوبة في لوح
خاص يجازيهم بها ، فما يذهب عليه شيء ولا يخطأ ولا ينسى.
الشبهة الرابعة : الصلة بين الحياتين : الدنيوية
والأُخروية
هذه الشبهة هي الأخيرة من الشبهات
الأربع التي انتخبناها ، وحاصلها : انّ الموت فناء للإنسان وإعدام له ،
فبموته تبطل شخصيته وكيانه ، فإذا تعلّقت مشيئته سبحانه بإحيائه ليجزيه وفق
أعماله فلا صلة بين الحياتين ولا بين الشخصين ، فكيف يمكن القول بأنّ
المعاد هو نفس الإنسان الذي مات وبطلت شخصيته ؟
وهذه الشبهة هي التي يبيّنها قوله تعالى
عنهم : (أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي
الأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ). [٢]