واقع ، لأنّ حشر
الأرواح إنّما يتمُّ مع الأبدان. وأمّا المعاد الروحاني بالمعنى الثاني
فملاك وصفه بالروحانية ليس هو حشر الروح مجرّدة عن البدن ، بل الملاك دركه
اللذائذ العقلية التي لا تدرك بالحواس سواء أكان المحشور هو الروح أو الروح
والبدن ، وهذا النوع من المعاد ممكن وواقع.
توضيحه
: انّ مقتضى الحكمة الإلهية والرحمة
الواسعة إيصال كلّ ممكن إلىٰ كماله المطلوب ، فثمة فئة من الناس لا همَّ
لها سوى نيل اللذائذ المادية وتتلخص السعادة عندها فيها ، فليس لها معاد
سوى الجسماني لا تتجاوز عنه ، ولكن ثمة فئة أُخرى لها همة قعساء لكسب
الكمالات المعنوية بغية التقرّب إلى الحقّ فمقتضى رحمته الواسعة إيصال هذه
الفئة أيضاً إلىٰ كمالها المطلوب.
وبعبارة أُخرى : انّ السعداء والكُمّل
في العلم والعمل يكتسبون حياة معنوية حسب ما يقومون به من صالح الأعمال ،
ولكن صلة الإنسان بالمادة تحول دون ظهور تلك الكمالات المعنوية ، لكنّها
تتجسد يوم القيامة عند رفع الحجب ، فعندئذٍ يطلب القربة إلى الحقّ والاتصال
بالموجودات النورانية في النشأة الآخرة.
وهذا النوع من الحياة المعنوية المنتهية
إلى المشاهدات القلبية هو حصيلة المعرفة الدنيوية ، ولذلك قيل : المعرفة
بذر المشاهدة ، وقد أشار إلى ما ذكرنا
الحكيم السبزواري في كلامه هذا : انّ الخلق طبقات ، فالمجازاة متفاوتة ،
فلكل منها محبوب ومرغوب وجزاء يليق بحالها ، واللذائذ الحسية والمبتهجات
الصورية للكُمّل في العلم والعمل كالظل غير الملتفت إليه بالذات والتفاتهم
بباطن ذواتهم وما فوقهم. [١]
نعم هذا النوع من المعاد لا يعم جميع
الناس لما عرفت من انقسام الناس إلى