إلى الآكل لا إلى
المأكول ، ونظيره زرع الأعضاء الرائج في الطب الحديث فانّ الكلية مثلاً إذا
أخذت من بدن شخص وزرعت في بدن شخص آخر على نحو التحمت مع سائر الأعضاء ،
فتعذيبه وتنعيمه يرجع إلى المأكول لا إلى الآكل.
الوجه
الثاني : انّ الشبهة نابعة من التفكير المادي ،
حيث يحصر واقع الإنسان في اللحم والجلد والعظام ، مع أنّ واقع الإنسان شيء
أعمق من ذلك ، وهو روحه ونفسه ، فإذا صار عضو من الإنسان جزءاً من إنسان
آخر انقطعت صلة الروح عن الجزء المقطوع فلا يكون مدبَّراً للنفس ، فتكون
الآلام واللّذات منصبَّة على الآكل لا على المأكول ، ولعل هذا البحث
المبسوط ، فيه الكفاية لذوي الألباب.
وأنا بدوري أعتذر للقرّاء الكرام من
إطالة الكلام في هذا المقام.
الشبهة الثالثة : ما هو الهدف من الجزاء ؟
إذا كان الهدف من إعادة الإنسان ليجزىٰ
بما عمل من خير أو شر ، فما هو السر وراء تعذيب المجرم ؟ فانّ هناك احتمالات عدّة :
الأوّل : التشفّي وتسكين الآلام.
الثاني : تأديب المجرم.
الثالث : أن يكون التعذيب عبرة وعظة
للآخرين.
وهذه الفروض إنّما تصحّ في التعذيب
الدنيوي ، فولي الدم يقتص من القاتل للتشفي وتسكين آلامه ، كما أنّ تأديب
المجرم غاية تختص بالدنيا ، فانّ القاضي والحاكم يؤدّب المجرم بالضرب
والسجن أو غيرها ليصلح حاله ، في مستقبل حياته.
كما أنّ أخذ العبرة من تعذيب الغير أمر
يختص بالدنيا لئلاّ يقترف الآخرون