فهو مركّب بأسوء
أنواع التركيب الذي لا ينفك عنها الامكان.
إذا عرفت هذا ، فالله سبحانه بما أنّه
لا كثرة في ذاته أبداً ، يجب أن يجمع في مقام ذاته كلّ وجود ، بحيث لا يشذّ عن
وجوده وجود ، إذ لو صدق أنّه شيء ، وذلك الوجود شيء آخر مسلوب عنه سبحانه لصار
محدوداً ، والمحدود يلازم الإمكان ، وكلّ محدود مركّب ، وكلّ مركّب ممكن ، فينتج
أنّه لا شيء من الواجب ممكناً.
فعلى ذلك فوجوده سبحانه يجب أن يكون مع
صرافته وبساطته جامعاً لكلّ وجود يتصوّر ، بحيث لا يمكن سلب وجود عن مرتبة ذاته ،
وإلاّ يلزم تركيبه من : أمر وجودي ( وهو ذاته ) ، وأمر عدمي ( وهو سلب ذلك الوجود
عن ساحة ذاته ) ، وكان استجماعه لكلّ شيء لا بنحو الكثرة والتعدّد حتى يلزم
التركيب بصورة أسوء وأبشع ، بل ذلك الاستجماع يكون بنحو أتم وأعلى ، أي بشكل جمعي
رتقي بحيث يكون في وحدته كلّ الوجودات ، ولا يكون اشتماله على هذه الكثرات والوجودات
موجباً لإنثلام وحدته وانتقاض بساطته.
فوجوده سبحانه مشتمل وجامع لكلّ وجود ،
لكن كلّ وجود ملغى عنه حده ، الذي تنتزع عنه ماهيّته وإن كان كماله موجوداً فيه.
وإن شئت توضيح هذا المطلب أكثر من ذلك
فلاحظ حال الملكات بالنسبة إلى الأفعال الصادرة عنها.
فإنّ الملكة حالة بسيطة جامعة ـ على نحو
الأتم والأبسط ـ فكان كلّ فعل يصدر منها وكلّ ظهور ينشأ منها ، فالإنسان الواجد
لملكة النحو قادر على الإجابة عن كلّ سؤال يرد عليه ، وهذه الأجوبة الكثيرة
الصادرة عنه بفضل تلك الملكة ، كانت موجودة في نفس الملكة ، لكن لا بتفاصيلها وخصوصيّاتها
وحدودها وقيودها ، بل بكمالها ووجودها الأتم والأبسط ، إذ لولاها لكان معطي الكمال
فاقداً له.
فكما أنّ الملكة ـ مع بساطتها ـ واجدة
لكمال كلّ الأجوبة ، وكمال وجودها