وقد اتّفق الحكماء على علمه بها بعده ،
وإنّما اختلفوا في علمه بها قبله ، فهم بين مثبت وناف ، والمثبت بين كون علمه
إجمالياً لا تفصيلياً ، وكونه كشفاً تفصيليّاً في عين البساطة والاجمال وإليك
براهين المثبتين :
الدليل الأوّل : العلم بالسبب
بما هو سبب ، علم بالمسبب
العلم بالعلّة بما هي علّة ، والحيثيّة
التي هي سبب لوجود المعلول ، لا ينفك عن العلم بالمعلول ولتقريب الدليل نمثل
بأمثلة :
أ : المنجّم العارف بالقوانين الفلكية
والمحاسبات الجوية يقف على أنّ الخسوف أو الكسوف أو ما شاكل ذلك ، يتحقّق عند
الوقت أو الوضع الفلاني ، وليس علمه بهذه المعلومات ناشئاً إلاّ من العلم بالعلّة
من حيث هي سبب لكذا وكذا.
ب : إنّ الطبيب العارف بحالات النبض
وأنواعه ، وأحوال القلب وأوضاعه ، يقدر على التنبّؤ بما سيحدث لهذا المريض
مستقبلاً إذا عرف بحالة قلبه أو وضع نبضه ، وليس هذا العلم بالمعلول إلاّ من طريق
العلم بالعلّة من حيث هي علّة لكذا وكذا.
ج : والصيدلي العارف بخصوصيّة مائع خاص
وكونه سمّاً قاتلاً لا يطيق الإنسان تحمّله سوى دقائق ، يقف من العلم بهذه
الخصوصيّة على أنّ شاربه سيقضي على حياته ، بشربه ذلك المائع.