وها هنا كلام للعلاّمة الطباطبائي (ره)
يحقّق ما ذكرنا بشكل بديع ويقول : « إنّ السلطة والاستيلاء والملك والرئاسة والولاية
والسيادة وجميع ما يجري هذا المجري فينا اُمور وضعيّة اعتبارية ليس في الخارج منها
إلاَّ آثارهما ، مثلاً الرئيس لا يسمّى رئيساً إلاّ لأن يتبعه الذين نسمّيهم
مرؤوسين في إرادته وعزائمه ، وليس هنا للرئاسة واقعيّة إلاَّ التخيّل والتشبيه
بمعنى تنزيل الرئيس مكان الرأس ، والمرؤوسين مكان البدن ، فكما أنّ البدن يتبع
الرأس ، فالمرؤوسون يتبعون الرئيس وقس عليها.
وهذا خلاف ما يوصف به سبحانه من الملك والاحاطة
والولاية وغيرها ، فإنّها معاني حقيقية واقعيّة على ما يليق بساحة قدسه ، وعلى ذلك
يجب أن يكون للاستيلاء حقيقة تكوينيّة ولعرشه المتعلّق به واقعيّة مثله.
فالايات كما ترى تدلّ بظاهرها على أنّ
العرش حقيقة من الحقائق العينيّة وأمر من الاُمور الخارجية » [١].
٥ ـ إنّ العرش حقيقة من الحقائق
العينيّة وهو المقام الذي يجتمع فيه جميع أزمّة الاُمور [٢] وبعبارة اُخرى هو المقام الذي يبتدأ منه
وتنتهي إليه أزمّة الأوامر والأحكام الصادرة من الملك ، وهو في ذلك وإن كان
موجوداً مادّيّاً إلاَّ أنّ المحكمات من الايات مثل قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ( الشورى / ١١
). وقوله : (سُبْحَانَ اللهِ
عَمَّا يَصِفُونَ) ( الصافّات / ١٥٩ ) تدلّ على انتفاء
الجسم وانّه ليس من خواصّه تعالى فينفي من العرش الذي وصفه لنفسه كونه سريراً
مؤلّفاً من مادّة معيّنة ، ويبقى أصل المعنى وهو أنّه المقام الذي يصدر عنه
الأحكام الجارية في نظام الكون هو من مراتب العلم الخارج عن الذات ، والمقياس في
معرفة ما عبّرنا عنه بأصل المعنى أنّه المعنى الذي يبقى ببقائه الاسم ، وبعبارة
اُخرى يدور مداره صدق الاسم وإن تغيّرت المصاديق واختلفت الخصوصيّات.