ما ذكرنا من الجواب يعمّ كافّة الناس
بشرط أن يتنازلوا عمّا يتصوّرون من الاحاطة على أسرار الكون وحقائقه ، وهناك جواب
آخر يهمّ المحقّقين في العلوم العقلية وحاصل هذا الجواب : إنّ الشر أمر عدمي ليس
له واقعيّة في صفحة الكون ، بل هو أمر انتزاعي تنتزعه النفس عند مقايسة أمر بأمر ،
والاشكال إنّما يرد لو كان له واقع خارجي في حدّ ذاته ، وأمّا إذا كان كلّّ ما في
الكون متّسما بسمة الخير وكانت الشرور مخلوقة ذهن الإنسان عند مقايسة ظاهرة بظاهرة
ومشاهدة التنافر والتضاد بينهما فلا ، إذاً ليس لها واقع خارجي يحتاج إلى الايجاد
والخلق ، وإنّما هي اُمور وهميّة يخلقها الذهن عند المقايسة ومشاهدة التضاد بين
الحادثين ، بحيث لولا حديث المقايسة لما كان للشرّ في صفحة الكون واقعيّة وحقيقة ،
فنقول في توضيح ذلك :
إنّ الصفات على قسمين :
١ ـ ما يكون له واقعيّة كموصوفه مثل
قولنا : الإنسان موجوداً أو انّ المتر = ١٠٠ سنتمتر وهذه صفة حقيقيّة لها واقعيّة
خارجيّة توجّه إليها الذهن أم لا ؟
٢ ـ ما لا يكون له واقعية مثل موصوفه بل
ينتزعه الذهن عند المقايسة كالكبر والصغر ، فإنّ الكبر ليس شيئاً ذات واقعيّة
خارجيّة ، وانّما هي صفة ينتزعها الذهن بالقياس إلى ما هو أصغر منه.
مثلاً الأرض له حجم واقعي ومساحة خاصّة
كما أنّ الشمس كذلك ، فالحجم والمساحة في كلّ منهما ذات واقعيّة خارجيّة ، إلاّ
أنّ هناك أمراً ثالثاً وهو انّ الأرض أصغر من الشمس والشمس أكبر منه ، أو أنّ
القمر أصغر من الأرض والأرض أكبر