ملائمة لذلك والبعض
الآخر منافياً له. فيصف الملائم بالحسن ولزوم العمل ، والمنافي بالقبح ولزوم
الاجتناب ، وبما أنّ هذا الموضوع يحتاج إلى بسط في الكلام حتى يعلم اتّفاق القولين
في الهدف والمرمىٰ نقوم بالاسهاب فيه.
٤ ـ الانسان وقوى الخير والشر
إنّ واقع الانسان يتألّف من قوى الشر والخير
، الحيوانية والإنسانية ، ولكلّ دوره في حياة الانسان ، غير أنّ واقع الانسان
يتمثّل ويتجلّى في الجانب الثاني ، ففي الجانب الأوّل تتجلّى الشهوة والغضب والأنانيّة
والقسوة وغيرها من رذائل الأخلاق كما أنّ الجانب الثاني تتجلّى فيه القيم
الأخلاقية والمثل الإنسانية وغير ذلك من خصال الخير ، وهذا الجانب هو الأصيل في
الانسان دون الجانب الأوّل.
والشاهد على ذلك انّه عند ما يقع
الانسان في صراع بين جانبيه : الحيواني والانساني « الملكوتي » فإذا غلب الجانب
الثاني على الجانب الأوّل ، يحسّ من صميم ذاته بالسرور والرضا ، فلو كان واقع
الانسان يتمثّل في الجانب الحيواني لما صحّ السرور والرضا لأنّ المفروض مغلوبيّة
القوى الحيوانية والمغلوب يكون محزوناً لا مسروراً ، وهذا يفيد بجلاء إنّ واقع
الإنسان هو الجانب الثاني أي كونه موجوداً ملكوتياً ، إلهيَّ النزعة ، طالبا للخير
والكمال والسموّ والارتقاء.
فلو أراد القائل من كون ملاك حكم العقل
هو موافقة الحكم للطبع هو ما ذكرنا فنعم الوفاق ، وإلاّ فهو غير تام كسائر
الأقوال.
وإن شئت قلت : لا حقيقة للحسن والقبح
إلاّ كون الشيء ملائماً لطبع الانسان أو غير ملائم ، لكنّ المراد منه ليس هو الطبع
السافل بل الطبع العالي ، والطبع العالي ينزع إلى الخير ويميل إلى الكمال ، والطبع
السافل ينزع إلى الشرّ ، فكل فعل أحبّه الإنسان بروحه المتعالية وعقله المتكامل
فهو حسن ، وكل ما وقع في خلاف ذلك يعدّ قبيحاً ، وعلى ضوء ذلك تقدر على تحليل جميع
الأمثلة.