ومن ذلك الخُلق : وهي السجيّة لأنّ
صاحبه قد قدر عليه ، والخلاق : النصيب لأنّه قد قدّر لكلّ أحد نصيبه.
ويؤيّد كونه متضمّناً معنى الإيجاد قوله
سبحانه : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي
أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) ( النمل / ٨٨
) فانّ الصنع في الاية مكان الخلق وليس الصنع صرف التقدير بل العمل عن تقدير. قال
سبحانه : (أَنِ اصْنَعِ
الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) ( المؤمنون
/ ٢٧ ).
قال الراغب : ثم إنّ الخلق تارة يستعمل
في إبداع الشيء من غير مادّة ولا احتذاء قال سبحانه : (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) ( الأنعام /
١ ) أي أبدعهما بدلالة قوله (بَدِيعُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) ( الأنعام / ١٠١ ) وأخرى في ايجاد
الشيء من الشيء نحو : (خَلَقَكُم
مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) ( الأعراف / ١٨٩ ). وقال : (خَلَقَ الجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ) ( الرحمن / ١٥
) ثم قال : والخلق الذي هو الابداع لله تعالى ولهذا قال في الفصل بينه تعالى وبين
غيره : (أَفَمَن يَخْلُقُ
كَمَن لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ( النحل / ١٧
) وأمّا الذي يكون بالإستحالة فقد جعله الله تعالى لغيره في بعض الأحوال كعيسى حيث
قال : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ
الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي) ( المائدة /
١١٠ ) [١].
والظاهر أنّ الراغب بصدد الجمع بين مفاد
الاية المثبت لكون الخلق صفة مشتركة بين الله وبين غيره ، وبين الآيات الحاصرة لها
في الله سبحانه حيث يقول : (ذَٰلِكُمُ
اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) ( الأنعام /
١٠٢ ) فحصر الخلق في ابداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء في الله سبحانه ، وأمّا
الخلق بمعنى الإستحالة فأثبته للمسيح ، وبذلك ارتفع الخلاف بين الآيتين ، وإليه
ذهب الطبرسي حيث قال : وفي الاية دليل على أنّ اسم الخلق قد يطلق على فعل غير الله
إلاّ أنّ الحقيقة في الخلق لله سبحانه فقط ، فإنّ المراد من الخلق ايجاد الشيء
مقدّراً