وقد ورد في الذكر الحكيم لفظ « الأعلم »
٤٩ مرّة ولم يوصف به غيره سبحانه.
قال سبحانه : (يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي
قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) ( آل عمران
/ ١٦٧ ).
وقال سبحانه : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) ( الأنعام /
١٢٤ ) إلى غير ذلك من الموارد.
وصيغة « أعلم » صيغة المفاضلة ومعناه
انّه يثبّت العلم لنفسه وغيره ولكنّه يفضّل علمه على غيره غير أنّه يعدل عنه في
موارد بقرائن خاصّة مثل قوله سبحانه : (وَإِذَا
جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا
أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) ( الانعام /
١٢٤ ) فعلّقوا إيمانهم وتصديقهم على أن يؤتوا مثل ما أوتي رسل الله بأن ينزّل
عليهم الملك والوحي ، فاجيبوا بقوله سبحانه (اللهُ
أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) والمناسب
لمقام الرد هو انسلاخ صيغة التفضيل من المفاضلة أي إنّه العالم دونهم بحجّة انّهم
علّقوا ايمانهم على صدق النبي على أن يكونوا أنبياء مثله وهذا دليل على جهلهم
المطبق ، فهم جهلاء والله سبحانه هو العالم ، ونظير ذلك قوله سبحانه نقلاً عن «
لوط » في حق بناته : (يَا قَوْمِ
هَٰؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) ( هود / ٧٨
) وقوله سبحانه حاكياً عن يوسف (رَبِّ
السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ( يوسف / ٣٣
) والمناسب لمقام العصمة كون السجن محبوباً إليه دون غيره أعني الفحشاء ، والحبّ
بمعنى كونه موافقاً للغريزة الجنسية خارج عن مجال البحث قال سبحانه : (قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ
الخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ) ( الفرقان /
١٥ ) والمراد انّها خير دون الجحيم بل هي شر ، وعلى ذلك فالأصل في الصيغة هو الحمل
على المفاضلة إلاّ إذا دلّ الدليل على خلافه ، نعم أدب العرفان والعبوديّة يقتضي توصيفه
سبحانه فقط بالعلم.