وإن شئت فلاحظ صدور القبيح منه سبحانه
فإنّ صدوره منه أمر ممكن بالذات ، داخل في إطار قدرته فهو يستطيع أن يدخل المطيع
في نار الجحيم والعاصي في نعيم الجنة ، غير انّه لا يصدر منه ذلك الفعل لكونه
مخالفاً للحكمة ومبايناً لما وعد به وأوعد عليه ، وعلى ذلك فامتناع صدور الفعل عن
الإنسان مع التحفظ على الأغراض والغايات ، لا يكون دليلاً على سلب الاختيار والقدرة.
فالنبي المعصوم قادر على اقتراف المعاصي
وارتكاب الخطايا ، حسب ما أُعطي من القدرة والحرية ، غير أنّه لأجل حصوله على
الدرجة العليا من التقوى واكتساب العلم القطعي بآثار المآثم والمعاصي واستشعاره
بعظمة الخالق ، يتجنب عن اقترافها واكتسابها ولا يكون مصدراً لها مع قدرته
واقتداره عليها.
ومثلهم في ذلك المورد كمثل الوالد
العطوف الذي لا يقدم على قتل ولده ، ولو أُعطيت له الكنوز المكنوزة والمناصب
المرموقة ومع ذلك فهو قادر على قتله ، بحمل السكين والهجوم عليه وقطع أوردته ، وفي
هذا الصدد يقول العلامة الطباطبائي :
إنّ هذا العلم أعني ملكة العصمة لا يغير
الطبيعة الإنسانية المختارة في أفعالها الإرادية ، ولا يخرجها إلى ساحة الإجبار
والاضطرار كيف ؟ والعلم من مبادئ الاختيار ، ومجرد قوة العلم لا يوجب إلاّ قوة
الإرادة كطالب السلامة إذا أيقن بكون مائع ما ، سماً قاتلاً من حينه فإنّه يمنع
باختياره من شربه قطعاً ، وإنّما يضطر الفاعل ويجبر إذا أخرج المجبر أحد طرفي
الفعل والترك من الإمكان إلى الامتناع.