يوافيك أنّه كان
يوحى إليه قبل أن يتشرّف بمقام الرسالة وأنّ نبوّته كانت متقدّمة على رسالته ،
وأنّ جبريل نزل إليه بالرسالة عندما بلغ الأربعين ، والاستدلال مبني على أنّ
نبوّته ورسالته كانتا في زمان واحد ، وهو غير صحيح كما سيأتي.
وعلى هذا الوجه الصحيح لا نحتاج إلى
الإجابة عن الاستدلال بما تكلّف به المرتضى في ذريعته ، والطوسي في عدّته.
قال الأوّل : لم يثبت عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قبل النبوّة حج أو اعتمر ،
وبالتظنّي لا يثبت مثل ذلك ، ولم يثبت أيضاً أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم
تولّى التذكية بيده ، وقد قيل أيضاً : إنّه لو ثبت أنّه ذكّى بيده ، لجاز أن يكون
من شرع غيره في ذلك الوقت ، « أن يستعان بالغير في الذكاة » [١] فذكّى على سبيل المعونة لغيره ، وأكل
اللحم المذكّى لا شبهة في أنّه غير موقوف على الشرع ، لأنّه بعد الذكاة قد صار مثل
كل مباح من المأكل ، وركوب البهائم والحمل عليها ، يحسن عقلاً إذا وقع التكفّل بما
يحتاج إليه من علف وغيره ، ولم يثبت أنّه عليهالسلام
فعل من ذلك ما لا يستباح بالعقل فعله [٢].
ولا يخفى أنّ بعض ما ذكره وإن كان
صحيحاً ، لكن إنكار حجه واعتماره وعبادته في حرّاء واتجاره الذي يتوقف الصحيح منه
على معرفة الحلال والحرام ، ممّا لا يمكن إنكاره ، فلا محيص عن معرفته بالمقاييس
الصحيحة في هذه الموارد ، إمّا من عند نفسه ، أو من ناحية الاتّباع لشريعة غيره.
[١] يريد أنّ من
أحكام الشريعة السابقة أن يستعين الرجل في تذكية الحيوان بالغير ـ وعلى ذلك ـ فالنبي
ذكّى نيابة عن الغير ، ولأجله ولم يذكّ لنفسه.