روى غياث بن إبراهيم ، عن الإمام الصادق
عليهالسلام : « لم يحج
النبي بعد قدوم المدينة إلاّ واحدة ، وقد حج بمكة مع قومه حجّات » [١].
ولم تكن أعماله الفردية أو الاجتماعية
منحصرة في المستقلات العقلية ، كالاجتناب عن البغي والظلم وكالتحنن على اليتيم
والعطف على المسكين ، بل كان في فترة من حياته راعياً للغنم ، وفي فترات أُخرى
ضارباً في الأرض للتجارة ، ولم يكن في القيام بهذه الأعمال في غنى عن شرع يطبق
أعماله عليه ، إذ لم يكن البيع والربا والخل والخمر ولا المذكّى وغيره عنده سواسية
، وليست هذه الأُمور ونظائرها مما يستقل العقل بأحكامها.
فطبيعة الحال تقتضي أن يكون صلىاللهعليهوآلهوسلم عارفاً بأحكام عباداته وطاعاته ،
واقفاً على حرام أفعاله وحلالها ، في زواجه ونكاحه في حلّه وترحاله ، ولولاه أشرف
على اقتراف ما حرّمه الله سبحانه في عامّة شرائعه ، والاقتراف أو الدنو منه يناقض
أهداف البعثة ، فإنّها لا تتحقّق إلاّ بعمله قبل بعثته بما سوف يدعو إليه بعد
بعثته.
وعلى ضوء هذه المقدمة يبطل القول الأوّل
من أنّه لم يكن متعبّداً بشرع أصلاً ، لما عرفت من أنّ العبادة والطاعة لا تصح
إلاّ بعد معرفة حدودها وخصوصيّاتها عن طريق الشرع ، كما أنّ الاجتناب عن محارم
الله في العقود والإيقاعات وسائر ما يرجع إلى أعماله وأفعاله الفردية والاجتماعية
، يتوقف على معرفة الحلال والحرام ، حتى يتخذه مقياساً في مقام العمل ، وعند ذاك
كيف يصح القول بأنّه لم يكن متعبّداً بشرع أصلاً ؟ وإلاّ يلزم أن ننكر عباداته
وطاعاته قبل
[١] الوسائل : ٨ / ٨٨
باب ٤٥ ، استحباب تكرار الحج والعمرة ، الحديث ٤.