الآية تدل على أنّ الغاية المتوخاة من
الفتح هي مغفرة ذنب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
، ما تقدّم منه وما تأخّر ، غير أنّ في ترتب تلك الغاية على ذيها غموضاً في بادئ
النظر ، والإنسان يستفسر في نفسه كيف صار تمكينه سبحانه نبيّه من فتح القلاع
والبلدان ، أو المهادنة والمصالحة في أرض الحديبية مع قريش ، سبباً لمغفرة ذنوبه ،
مع أنّه يجب أن تكون بين الجملة الشرطية والجزائية رابطة عقلية أو عادية ، بحيث
تعدّ إحداهما علّة لتحقّق الأُخرى أو ملازمة لها ، وهذه الرابطة خفية في المقام
جداً ، فإنّ تمكين النبي من الأعداء والسيطرة عليهم يكون سبباً لانتشار كلمة الحق
ورفض الباطل واستطاعته التبليغ في المنطقة المفتوحة ، فلو قال : إنّا فتحنا لك
فتحاً مبيناً ، لتتمكن من الإصحار بالحق ، ونشر التوحيد ، ودحض الباطل ، كان
الترتب أمراً طبيعياً ، وكانت الرابطة محفوظة بين الجملتين.
وأمّا جعل مغفرة ذنوبه جزاء لفتحه صقعاً
من الأصقاع ، فالرابطة غير واضحة.
وهذه هي النقطة الحساسة في فهم مفاد
الآية ، وبالتالي دحض زعم المخطّئة في جعلها ذريعة لعقيدتهم ، ولو تبيّنت صلة الجملتين
لاتّضح عدم دلالتها على ما تتبنّاه تلك الطائفة.
فنقول
: كانت الوثنية هي الدين السائد في
الجزيرة العربية ، وكانت العرب تقدّس أوثانها وتعبد أصنامها ، وتطلب منهم الحوائج
، وتتقرب بعبادتها إلى الله سبحانه هذا من جانب ، ومن جانب آخر : جاء النبي الأكرم
صلىاللهعليهوآلهوسلم داعياً إلى
التوحيد في مجالي الخلق والأمر ، وإلى حصر التقديس والعبادة في الله ، وأنّه لا
معبود سواه ولا