الكلام في الآية ،
اسلوب عطف وحنان ، وأشبه باعتراض الولي الحميم ، على الصديق الوفي ، إذا عامل عدوه
الغاشم بمرونة ولين ، فيقول بلسان الاعتراض : لماذا أذنت له ، ولم تقابله بخشونة
حتى تعرف عدوك من صديقك ، ومن وفى لك ممّن خانك ، على أنّه وإن فات النبي معرفة
المنافق عن هذا الطريق لكنه لم يفته معرفته من طريق آخر ، صرح به القرآن في غير
هذا المورد ، فإنّ النبي الأكرم كان يعرف المنافق من المؤمن بطريقين آخرين :
١. كيفية الكلام ، ويعبّر عنه القرآن
بلحن القول ، وذلك أنّ الخائن مهما أصر على كتمان خيانته ، تظهر بوادرها في ثنايا
كلامه ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام
: « ما أضمر أحد شيئاً إلاّ ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه » [١]. وفي ذلك يقول سبحانه : (وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ
فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ
يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ)[٢].
٢. التعرّف عليهم بتعليم منه سبحانه قال
: (مَا كَانَ اللهُ
لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ
الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ
وَلَٰكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ)[٣] ، والدقة في الآية تفيد بأنّ الله سبحانه
يجتبي من رسله من يشاء ويطلعه على الغيب ، ويعرف من هذا الطريق الخبيث ويميّزه عن
الطيب.
وعلى ذلك فلم يفت على النبي الأكرم شيء
وإن فاتته معرفة المنافق من هذا الطريق ، ولكنّه وقف عليها من الطريق الآخر أو
الطريقين الآخرين.