قال : هذا من القدر
لا من القدرة. ثم أضاف صاحب الكشاف : يصح أن يفسر بالقدرة على معنى « أن لن نعمل
فيه قدرتنا » ، وأن يكون من باب التمثيل ، بمعنى فكانت حاله ممثلة بحال من ظنّ أن
لن نقدر عليه في مراغمته قومه من غير انتظار لأمر الله ، ويجوز أن يسبق ذلك إلى
وهمه بوسوسة الشيطان ثم يردعه ويردّه بالبرهان ، كما يفعل المؤمن المحقق بنزعات
الشيطان وما يوسوس إليه في كل وقت [١].
ولا يخفى أنّ ما نقله عن ابن عباس هو
المعتمد ، بشهادة استعماله في القرآن بمعنى الضيق ، وهو المناسب لمفاد الآية ،
وأمّا الوجهان الآخران فلا يصح الركون إليهما ، خصوصاً الوجه الأخير ، لأنّ
الأنبياء أجل شأناً من أن تحوم حول قلوبهم الهواجس الشيطانية حتى يعودوا إلى
معالجتها بالبرهان ، فليس له سلطان على المخلصين من عباده ، وقد اعترف بذلك
الشيطان وقال كما يحكيه سبحانه : (إِلاَّ
عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ)[٢].
وأمّا السؤال الثالث : فقد مرّ أنّ
الظلم في اللغة بمعنى وضع الشيء في غير موضعه ، ولا شك أنّ مفارقته قومه وتركهم في
الظرف القلق العصيب كان أمراً لا يترقب صدوره منه ، وإن لم يكن عصياناً لأمر مولاه
، فالعطف والحنان المترقب من الأنبياء غير ما يترقب من غيرهم ، فلأجل ذلك كان فعله
واقعاً غير موقعه.
ومن المحتمل أن يكون الفعل الصادر منه
في غير موقعه هو طلبه العذاب لقومه وترك المصابرة ، ويؤيده قوله سبحانه : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن
كَصَاحِبِ الحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ)[٣] ، فالظاهر أنّ متعلّق النداء في الآية