ما يبقيه عليهالسلام على سمة العصمة ، والموعظة لا تستدعي
وقوع الذنب وصدوره بل ربّما يكون الهدف التحفّظ على أن لا يصدر الذنب منه في
المستقبل ، ولذلك امتثل عليهالسلام
نهي ربِّه وقال : (أَعُوذُ
بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ)[١].
جواب ثالث للوجه الثاني
هذا وللعلاّمة الطباطبائي جواب ثالث
أمتن من الجوابين السابقين حيث قال : إنّ قول نوح : (إِنَّ
ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ) في مظنة أن يسوقه
إلى سؤال نجاة ابنه ، وهو لا يعلم أنّه ليس من أهله ، فشملته العناية الإلهية وحال
التسديد الغيبي بينه وبين السؤال فأدركه النهي بقوله : (فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) بتفريع
النهي على ما تقدّم ، مخبراً نوحاً بأنّ ابنك ليس من أهلك ، لكونه عملاً غير صالح
، فلا سبيل لك إلى العلم به ، فإيّاك أن تبادر إلى سؤال نجاته ، لأنّه سؤال ما ليس
لك به علم ، والنهي عن السؤال بغير علم لا يستلزم تحقق السؤال منه لا مستقلاً ولا
ضمناً ، والنهي عن الشيء لا يستلزم الارتكاب قبلاً ، وانّما يتوقف على أن يكون الفعل
اختيارياً ومورداً لابتلاء المكلّف ، فإنّ من العصمة والتسديد أن يراقبهم الله سبحانه
في أعمالهم ، وكلّما اقتربوا مما من شأنّه أن يزل فيه الإنسان نبههم الله لوجه
الصواب ، ودعاهم إلى السداد والتزام طريق العبودية ، قال تعالى : (وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ
تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً
* إِذًا
لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا
نَصِيراً)[٢].
وممّا يدل على أنّ النهي في قوله (فَلا تَسْأَلْنِ) نهي عمّا لم
يقع بعد ، قول
[١] الانتصاف فيما
تضمنه الكشاف من الاعتزال للإمام ناصر الدين الاسكندري المالكي : ٢ / ١٠١ على هامش
الكشاف.