والمشقات ، وليس كل
خيبة تتوجه إلى الإنسان ناشئة من الذنب المصطلح ، كما أنّه يحتمل أن يكون المراد
منه هو الفساد ، وبذلك فسر ابن منظور المصري في لسانه قوله سبحانه : (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) أي فسد عليه
عيشه [١] ، ولا شك
أنّ العيش في الجنّة لا يقاس بالعيش في عالم المادة الذي هو دار الفساد والانحلال.
ولو سلم أنّ الغي بمعنى الضلال في مقابل
الرشد ، لكن ليس كل ضلال معصية ، فإنّ من ضل في طريق الكسب أو في طريق التعلّم
يصدق عليه أنّه غوى : أي ضل ، ولكنه لا يلازم المعصية.
وكان سيدنا الأُستاذ العلاّمة
الطباطبائي ـ رضوان الله عليه ـ يقول في مجلس بحثه : إنّ لفظة (غَوَىٰ) تعني الحالة
التي تعرض للغنم عندما تنفصل عن القطيع فتبقى حائرة تنظر يميناً وشمالاً ولا تشق
طريقاً لنفسها ، وكان آدم أبو البشر حائراً بعد ما خالف نهي ربِّه وابتلي بما
ابتلي به لا يدري كيف يعالج مشكلته ، وكيف يتخلّص من هذا المأزق الحرج ؟!
وبالجملة : فالغي إن أُريد منه الخروج
عن جادّة التوحيد ، والانحراف عمّا رسم للإنسان من الواجبات والمحرمات ، فهو يلازم
الكفر تارة والذنب أُخرى ، ولكن ليس كل ضلال ـ على فرض كون الغي بمعنى الضلال ـ ملازماً
للجرم والذنب ، فمن ضل عن الطريق وتاه عن مقاصده الدنيوية أو المصالح التي يجب أن
ينالها ، يصدق عليه أنّه (غَوَىٰ) مقابل أنّه
« رشد » ولكنه لا يلازم المعصية المصطلحة.
ولا شك أنّ آدم بعدما أكل من الشجرة بدت
له سوأته وخرج من الجنة وهبط إلى دار الفساد ، فعندئذ غوى في طريقه وضل عن مصلحته.