إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ مخالفة النهي
عن الشجرة إنّما تعدّ معصية بالمعنى المصطلح إذا كان النهي مولوياً صادراً عنه
سبحانه على وجه المولوية ، لا أمراً إرشادياً وارداً بصورة النصح ، والقرائن
الموجودة في الآيات تشهد بأنّه إرشادي ، لا يترتب على مخالفته سوى ما يترتب على
ذات العمل من الآثار الوضعية والطبيعية ، لا مولوي حتى يترتب عليه وراء تلك الآثار
، عقاب المخالفة ومؤاخذة التمرّد ، وإليك هذه القرائن :
١. لو كان النهي عن الشجرة نهياً
مولوياً يجب أن يرتفع أثره بعد التوبة والإنابة ، مع أنّا نرى أنّ الأثر المترتب
على المخالفة بقي على حاله رغم توبة آدم وإنابته إلى الله سبحانه ، وهذا دليل على
أنّ الخروج عن الجنّة والتعرّض للشقاء والتعب ، كان أثراً طبيعياً لنفس العمل ،
وكان النهي لغاية صيانة آدم عليهالسلام
عن هذه الآثار والعواقب ، كما إذا نهى الطبيبُ المصابَ بمرض السكر عن تناول المواد
السكرية.
٢. انّ الآيات الواردة في سورة « طه »
تكشف النقاب عن نوعية هذا النهي ، وتصرح بأنّ النهي كان نهياً إرشادياً لصيانة آدم
عليهالسلام عمّا يترتب
عليه من الآثار المكروهة والعواقب غير المحمودة ، قال سبحانه : (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا
عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ
فَتَشْقَىٰ * إِنَّ لَكَ أَلاَّ
تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَىٰ
* وَأَنَّكَ
لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَىٰ)[١] فإنّ قوله سبحانه : (فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ
فَتَشْقَىٰ) صريح في أنّ أثر امتثال النهي هو
البقاء في الجنّة ، ونيل السعادة التي تتمثل في قوله : (إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا
تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ
فِيهَا وَلا