الذي غمر الجزيرة
وملأها عدلاً وأمناً ودعة وحبّاً ؟
لو قيل أنّ الاسكندر المقدوني كان يعمل
على تكوين امبراطورية تشمل العالم القديم كلّه وتجعله يلتف حول هذا الشاب الإغريقي
لصدقنا ، ولو قيل أنّ « نابليون » كان يعمل على تكوين امبراطورية تشمل العالمين
القديم والجديد ، ليجلس على عرشها الفتي لصدقنا.
أمّا إذا قيل أنّ محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فكّر في أن يدعو خلق الله المتاخمين لجزيرة
العرب والمتّصلين بقريش ـ اتصالاً تعيش عليه قريش وينبني على أساسه كلّ شيء في
البنية القرشية ـ فذلك أمر يعز على البحث النزيه والعقل الحر ( بزعم « وليم ميور »
) أن يقبله إلاّ أن يكون تفكير ذلك النبي في هذا الأمر تفكيراً على نحو غامض.
وأمّا القول بأنّ ذلك الدين لم يهيأ
إلاّ لبلاد العرب ، فإنّ ذلك لم يمنع محمداً من التفكير في تعميم دينه ، لأنّ هذا
التفكير سواء أتحقق أم لم يتحقق ، إنّما يعتمد على اعتقاده أن دينه صالح لذلك ،
وقد ثبت من القرآن أنّه كان يعتقد أنّ الإسلام قد هيّئ لكلّ حالة ، وأنّ القرآن قد
تكفّل بتبيان كلّ شيء ، إذ يقول الله تعالى لرسوله في غير آية : (
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً
وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ )
( سورة النحل ـ ٨٩ ).
ويؤيد دعوى عموم الرسالة للجنس البشري
قول محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ بلالاً
أوّل ثمار الحبشة ، وأنّ صهيباً أوّل ثمار الروم ، وكذلك ما قاله عن سلمان الذي
كان أوّل من أسلم من الفرس ، فكان عبداً نصرانياً بالمدينة اعتنق هذا الدين الجديد
في السنة الاُولى من الهجرة ، وهكذا صرّح الرسول في وضوح وجلاء ، أنّ الإسلام ليس
مقصوراً على الجنس العربي قبل أن يدور بخلد العرب أي شيء يتعلّق بحياة الفتح
والغزو بزمن طويل ، ويؤيد ذلك ما ورد في القرآن الكريم في تلك الآيات البينات » [١].
[١] تاريخ الإسلام
السياسي ـ الطبعة الخامسة ـ ج ١ ، ص ١٦٧ ـ ١٧٠ ، وذكر في المقام بعض الآيات التي
تدل على عمومية رسالته.