فصدق الخبر الخبر ،
فتحقق بعضها بعد مئات السنين ، ولم يكن تنبّؤ الوصي عن تكهّن وتخرّص ولا عن فراسة
ومحاسبات عادية ، وشتّان بين تخرّص متخرّص ، أو كهانة متكهّن ، أو تفرّس متفرّس ،
وما تنبّأ به الوصي على صهوات المنابر في الحواضر الإسلامية وميادين الحروب
الطاحنة وأندية الوعظ والتبليغ معلناً بأنّ ما ذكره وراثة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلم وصل إليه منه ، ودونك نماذج ممّا
وقفنا عليه :
قام خطيباً في البصرة مخاطباً أهلها
الناكثين عندما وضعت الحرب أوزارها وقال :
١. كأنيّ بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث
الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها [١].
وقد وقع المخبر به ، فإنّ البصرة غرقت
مرتين في أيام القادر بالله ، ومرّة في أيام القائم بأمر الله ، غرقت بأجمعها ولم
يبق منها إلاّ مسجدها الجامع ، بارزاً بعضه كجؤجؤ الطائر ، حسب ما أخبر به أمير
المؤمنين عليهالسلام فقد جاءها
الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس ، ومن جهة الجبل
المعروف بجبل السنام ، وخربت دورها ، وغرق كل ما في ضمنها ، وهلك كثير من أهلها [٢].
٢. قوله : وكأنيّ وقد سار بالجيش الذي
لا يكون له غبار ولا لجب ولا قعقعة لجم ، ولا حمحمة خيل ، يثيرون الأرض بأقدامهم ،
كأنّها أقدام النعام [٣].
٣. قوله : وكأنيّ أراها قوماً كأنّ
وجوههم المجان المطرقة ، يلبسون السرق والديباج ، يعتقبون الخيل العتاق ، ويكون
هناك استحرار قتل ، حتى يعيش المجروح على المقتول ، ويكون المفلت ، أقل من المأسور
[٤].
[٣] نهج البلاغة
الخطبة ١٢٤ ، قال الشريف الرضي : يومي بذلك إلى صاحب الزنج ، وقد ذكر أخباره
الطبري في تاريخه ج ٣ ص ١٧٤٣ طبع أوربا ، والمسعودي في مروج الذهب ج ٤ ص ١٩٤ ،
ونقله الشارح المعتزلي في شرح النهج ج ٨ ص ١٢٦ ـ ٢١٤.