انّهم يزعمون أنّك
تعلم الغيب » ؟ فقال : « سبحان الله ، ضع يدك على رأسي ، فوالله ما بقيت في جسدي
شعرة ولا في رأسي إلاّ قامت ، ثم قال : لا والله ، ما هي إلاّ وراثة عن رسول الله »
[١].
٣. ما روي عن الإمام الصادق : أنّه خرج
وهو مغضب فلمّا أخذ مجلسه قال : يا عجباً لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب ، ما يعلم
الغيب إلاّ الله عزّ وجلّ ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت منّي ، فما علمت في
أي بيوت الدار » [٢]
، فهذه الرواية محمولة ومفسرة بما أوضحناه ، وما سيوافيك من الأحاديث فالمقصود نفي
العلم الاصالي القائم بذاتهم غير المستند إلى غيرهم ، وأمّا أنّه عليهالسلام همّ بضرب جاريته فهربت فما علم مكانها
، فيوجّه بوجوه :
أ. ما أسلفناه من كون علومهم على حسب
مشيئتم وإنّهم إذا شاؤوا علموا.
ب. ما وافاك من أنّ هنا مراحل ثلاثة ،
مرحلة الاطلاع ، مرحلة العمل ، مرحلة الإعلام ولكلّ منها ، مقتضيات وشرائط وموانع
، وأنّه لا يستلزم العلم بالشيء العمل به ، فلعلّه عليهالسلام
أراد أن يطلع على مكانها من الطرق العادية لا غيرها.
أضف إلى ذلك أنّ ذيل الرواية تفصح عمّا
ذكرناه بوضوح ، ويعطي للإمام منزلة عظيمة ومكانة أرقى ممّن كان عنده علم من الكتاب
ودونك لفظه : « قال سدير فلمّا أن قام من مجلسه وصار في منزله دخلت أنا وأبو بصير
وميسر وقلنا له : جعلنا فداك سمعناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر جاريتك ، ونحن نعلم
أنّك تعلم علماً كثيراً ولا ننسبك إلى علم الغيب ؟ قال : فقال : يا سدير ألم تقرأ
القرآن ؟ قلت : بلى ، قال : فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عزّ وجلّ : (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)؟ ( النمل ـ ٤٠
).
[١] رجال الكشي ص
٣٥٢ ـ ٣٥٣ ط الأعلمي ، ورواه شيخنا المفيد في أماليه في المجلس الثالث ص ١١٤ بأدنى
تفاوت.