وعلى هذا يحمل ما ورد في بعض القصص
والسير المأثورة عنهم ممّا ظاهره أنّهم ما كانوا على علم بما كان يستقبلهم من
الحوادث فلا تغفل » [١].
الجواب الثالث :
ما تفضل به سيدنا العلاّمة الطباطبائي (
رضوان الله عليه ) عندما عرضنا عليه هذا السؤال ، فألّف في جوابه رسالة موجزة في
ثمان صفحات على القطع الصغير باستدعاء منّا ، ونحن نقتطف منه مايلي بتصرّف يسير :
لما كان علمهم عليهمالسلام هذا بالحوادث علماً بها بما أنّها
واجبة التحقق ، ضرورية الوقوع ، لا تقبل بداء ، ولا تحتمل تخلفاً ، كما في الأخبار
، فلا تأثير لهذا العلم الذي هذا شأنه في فعل الانسان ، وتوضيحه يكون ببيان اُمور
:
١. انّ من المقرر عقلاً ، وقد صدقه
الكتاب والسنّة ، أنّ كل ظاهرة وحادثة تحتاج في تحققها إلى علّة ، ثمّ إنّ العلّة
التي يتوقّف عليها وجود الشيء ، تنقسم إلى ناقصة وتامة ، والتامة منها ما يتوقف
عليه وجود الشيء ، بحيث يجب وجوده بوجودها ، وعدمه بعدمها ، والناقصة منها ، وإن
كان يتوقف عليه وجود الشيء أيضاً ، ويجب عدمه بعدمها ، إلاّ أنّه لا يجب وجود
الشيء بوجودها.
٢. إنّ الحادثة لا تتحقق إلاّ وهي موجبة
بإيجاب علّتها التامة ومحتمة بحتمية منها ، وكذا الكلام في علتها حتى ينتهي إلى
الواجب بالذات تبارك وتعالى. فالعالم مؤلّف من سلسلة من الحوادث ، كل حلقة من
حلقاتها واجبة الوجود ، بعلّة تسبقها وإن كانت ممكنة بالقياس إلى أحد أجزاء علّتها
العرضية أو أحد عللها الطولية.
٣. هذه الوجوبات المترتبة ، الواقعة في
سلسلة الحوادث هي نظام القضاء الحتمي الذي ينسبه الله سبحانه إلى نفسه ويقول : (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً) ( الأنفال ـ
٤٢ ) ، وقال : (وَكَانَ
أَمْرًا مَّقْضِيًّا) ( مريم ـ ٢١ ).