إنّ هذه الوجوه تشير إلى الحقيقة التي
قدمناها الآن وهي : أنّ الهدف من هذا النفي في قوله تعالى : (لا عِلْمَ لَنَا) ليس إلاّ
التأدّب أمام المولى واستعمال كل أسلوب يدل على الخضوع التام أمام علم الله اللامتناهي
، وليس المراد به نفي العلم عن الأنبياء على سبيل الحقيقة والواقع.
٤. يصرح القرآن بتوجيه السؤال يوم
القيامة إلى كل من الأنبياء والاُمم فيقول : (فَلَنَسْأَلَنَّ
الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المُرْسَلِينَ) ( الأعراف ـ
٦ ). ودلّت آيات اُخرى من القرآن على علم المجرمين والعاصين بأحوالهم الماضية في
الدنيا وما تجره في ذلك اليوم إليهم من آلام ، حيث يبدون أسفهم على ما قدموا وتكون
كلمة ( ليت ولعل ) طوع ألسنتهم يقول تعالى : (يَا
لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) ( الفرقان ـ
٢٧ ) (يَا وَيْلَتَىٰ
لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً) ( الفرقان ـ
٢٨ ) (فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ
صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) ( السجدة ـ ١٢ ).
ترى كم يملك نصيباً من الصحة القول :
بأنّ الاُمّة تعلم يومذاك عن مرارة أوضاعها وسوء مصائرها فتطرق برؤوسها متمنية
العودة إلى الحياة الدنيا لتستأنف العمل في حين ينفي الأنبياء ـ الذين عاصروا اُممهم
فترات طويلة من الزمن ـ عن أنفسهم يوم القيامة أي لون من ألوان العلم على سبيل
الحقيقة ؟
وبالنظر إلى كل ما قدمناه يتضح مفهوم
الآية ونعلم جيداً أنّها لا تختلف أبداً عن الآيات التي تثبت علم الغيب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وأمّا الآية الثامنة أعني قوله سبحانه :
(مَا كَانَ لِيَ مِنْ
عِلْمٍ بِالمَلإِ الأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ
* إِن
يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ) ( ص : ٦٩ ـ ٧٠
) المراد من الخصومة في الآية هي خصومة الملائكة في موضوع خلق الانسان ، وقد جاءت
واضحة في سورة البقرة ضمن الآية ( ٣٠ ـ ٣٣ ).
ويؤكد كون المراد من الخصومة ذلك ، قوله
سبحانه بعد الآيتين : (إِذْ قَالَ
رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ
* فَإِذَا
سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ