يسبقوه إلى أهله ،
فجعل يقول : يا صباحاه يا صباحاه اوتيتم اوتيتم [١].
هكذا بدأت الدعوة الإسلامية ، وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم يخطو خطوات قصيرة ، يجابه ضوضاء
الالحاد بحكمه وعظاته حتى دخل في الإسلام بعض الشخصيات البارزة ممن كانت لهم مكانة
مرموقة بين الناس ، وانجذبت إليه قلوب كثير من الشبان وأصبحت أفئدتهم تهوى إليه ،
غير أنّ الجو المفعم بالاحن والضغائن عرقل خطا دعوته ، وتفاقمت جرائم قريش نحوه ، فأجمعوا
أمرهم على أن يخنقوا نداءه ، بإنهاء حياته وإطفاء نوره ، حيث اجتمع سادتهم في دار
الندوة ، وأجمعوا على أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً ، ويسلّموا له سيفاً صارماً
، وأوصوا هؤلاء الشباب بأن يضربوه ضربة رجل واحد ، حتى يموت ، فيستريحوا منه ،
وبذلك يتفرّق دمه في القبائل جميعاً ، ولا يقدر بنو هاشم ، على حربهم.
ولكنّ الله ردّ كيدهم ، وصدّهم عن ذلك ،
وخيّب حيلتهم ، وأخبر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
عن المكيدة الداهمة ، فغادر مكة متوجهاً إلى « يثرب » حتى دخلها ، فاجتمع حوله
رجال من الأوس والخزرج ، وبايعوه ، ووعدوه بالنصر ، والمؤازرة والحراسة.
والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
وإن غادر مكة ، وترك قومه ، إلاّ أنّ قومه لم يتركوه ، بل أجّجوا نار الشحناء عليه
، ودارت بينهم وبين الرسول حروب دامية ، وحملات طاحنة ، وبذلت قريش آخر ما في
وسعها ، ورمت كل ما في كنانتها ، وبالغت في تقويض الإسلام ، وهدم بنائه ، إلى أن
دخل العام السادس ، من الهجرة ، فتعاهد الفريقان في أرض الحديبية على هدنة تدوم
عشر سنوات ، بشروط خاصة.
هذا الصلح الذي تصالح به المسلمون في
الحديبية ، انقلب الى فتح مبين للإسلام ، فانتهز الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الفرصة لنشر دعوته في البلاد البعيدة ،
فبعث سفراءه وفي أيدي كل واحد كتاب خاص إلى قيصر الروم ، وكسرى فارس ، وعظيم القبط
، وملك الحبشة ، والحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام ، وهوذة بن علي الحنفي
ملك اليمامة ،
[١] السيرة الحلبية
، ج ١ ، ص ٣٢١ المقصود : هوجمتم من قبل العدو.