منها : البخوع للعبادة ، والعكوف على
المجاهدات النفسانية والرياضات التي لا تنازع الفطرة ، بل تعدل الميول والغرائز
وتهديها سبيل الرشاد والسلام.
منها : التفكير في آثار صنعه وعجائب
خلقه وبدائع كونه بتعمّق وتدبّر حتى يهديه التفكير في جمال الطبيعة إلى معرفة
بارئها معرفة تامة تليق بحال نبيّه.
منها : أن يكون في رعاية أكبر ملك يهديه
إلى طرق المكارم ومحاسن الأخلاق كما أشار إليه مولانا أمير المؤمنين في الخطبة
القاصعة : « لقد قرن به صلىاللهعليهوآلهوسلم
من لدن ان كان فطيماً ، أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق
العالم ليله ونهاره ، ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل أثر اُمّه ، يرفع لي في كل يوم
من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا
يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما
، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوّة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل
الوحي عليه فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنّة ؟ فقال : هذا الشيطان آيس من عبادته
إنّك تسمع ما أسمع ، وترى ما أرى إلاّ أنّك لست بنبي ولكنّك وزير ، وأنّك لعلى خير
» [١].
هذا البيان الضافي من أمير الإسلام
والبيان عليهالسلام يؤمي إلى
كثير مما ذكرناه من المقدمات ، ويرسم لنا صورة اجمالية من حياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الأكرم قبل بعثته وأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم منذ نعومة أظفاره ، ومنذ أن فطم من
الرضاع ، وقع تحت كفالة أكبر ملك يسلك به طريق المكارم ، ويرشده إلى معالم الهداية
ومدارج الكمال ، ويصونه طيلة حياته من طفولته إلى شبابه وإلى كهولته من كل سوء.
هذا البيان يفيدنا بأنّ نفس أي انسان لا
تستعد لقبول الوحي إلاّ بعد اقتحام عقبات وطي مراحل ، وأنّ الملك الأكبر لم يزل
يواصل نبي الإسلام ليله ونهاره حتى استعدت نفسه لقبول الوحي ، وتمثّل أمينه بين
يديه ، والقاء كلام ربّه إليه ووعيه له منه ، بانطباعه في لوح نفسه ، وإذا اقتحم
تلكم العقبات وتحققت تلكم المقدمات والمعدات