وربّما يستدل على لزوم تطور المجتمع ب «
حتمية التاريخ » ويقال : حتمية التاريخ لها دور كبير في الفلسفة المادية وقد اعتمد
عليها فطاحل الماديين وغيرهم وفرعوا عليها فروعاً واستنتجوا منهامسائل كثيرة ،
وملخّص ما يريدون من هذا الأصل :
انّ ما يحدث في تاريخ الاُمم من صعود
وتدهور ، ومن صلح وسلام ، وحرب وكفاح ، واختراع ، واكتشاف ، وظهور انقلابات وثورات
، وتقدم في الانتاج والاقتصاد.
وعلى الجملة ما شاهده تاريخ الاُمم ، أم
ما نشاهده في الحضارة العصرية من حوادث وطوارئ وتطور في ألوان الحياة وأشكالها
كلّها ، رهين عوامل في نفس المجتمع توجب وجودها ضرورة اجتماعية ، ولا يمكن التحرز
عنها أبداً ، ويساق المجتمع إليها عنفاً وجبراً بلا إرادة واختيار.
وهذه العوامل الخلافة ، لألوان الحياة
وأشكالها وحوادثها وطوارئها ، لا تدوم على حالة واحدة ، بل تتبدل ويخلفها غيرها ،
وهكذا ...
فإذا كان العيش الاجتماعي متطوراً ،
كسائر الظواهر الطبيعية ، تطوراً ضرورياً حتمياً ، خارجاً عن إرادة المجتمع
واختياره ، فكيف يخضع المجتمع المتحول المتطور ، لتشريع لا يتحول ولا يتبدل ؟
الجواب :
وزان حتمية التاريخ عند الماديين ، وزان
القضاء والقدر عند الجبرية ، فكما أنّ هؤلاء يلقون كل حادث وطارئ وكل خير وشر يقع
في المجتمع ، على عاتق القضاء والقدر ، ويريحون أنفسهم عن أية مسؤولية ، كذلك يفعل
الماديون ، إذ يلقون كل حادث وطارئ وكل خير وشر في المجتمع ، على عاتق الحتمية
التاريخية ، ويريحون أنفسهم عن أية مسؤولية.