أدركوا هذه الحقيقة
في أيام الإسلام الاُولى ، واعترفوا بعجزهم عن الوصول إلى أغوراه ، والتوصل إلى ما
فيه من الأسرار والحكم.
هذا الوليد بن المغيرة حكيم العرب
وريحانتهم وخطيبهم المنطيق يجلس إلى النبي ليستمع ما كان يتلوه من آيات « سورة
غافر » ، وبعد هنيئة ذهب إلى قومه « بني مخزوم » ليقول لهم مصارحاً : ( والله لقد
سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن ، وأنّ له لحلاوة
، وأنّ عليه لطلاوة ، وأن أعلاه لمثمر ، وأنّ أسفله لمغدق ، وأنّه ليعلوا وما يعلى
) [١].
يمكن اعتبار قول الوليد هذا ، أول تقريظ
بشري صدر من انسان واع أدرك بفطرته وذوقه السليم أنّ القرآن ( أعلاه لمثمر ،
وأسفله لمغدق ، وأنّه يعلو وما يعلى ).
التفسير في مختلف الاتجاهات
في القرن الثالث الهجري ـ عندما قطعت
العلوم الإسلامية أشواطاً بعيدة ، ووصلت إلى مراحل عالية من النضج والرقي ـ حدث في
علم التفسير تطوّر ملموس ، فإنّه قبل هذه الفترة كان التفسير منحصراً بنقل أحاديث
مروية عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
أو آراء بعض الصحابة والتابعين وأحياناً بعض أهل الكتاب الذين اعتنقوا الإسلام ،
أمّا في هذا القرآن وما بعده فقد أدخل كل ذي اختصاص المباحث العائدة إلى موضوع
اختصاصه ، في التفسير ، بل ربّما لا يكتب بعضهم إلاّ ما يدخل في إطار العلم الذي
أصبح له اليد الطولى فيه.
فأعلام الأدب العربي خصصوا كتبهم التي
تتناول القرآن بمباحث الاعراب واللغة والاشتقاق ، كما صنع الزجاج والواحدي مؤلّف
كتاب « البسيط » وأبو حيّان مؤلّف كتاب « البحر والنهر ».
وشيوخ البلاغة اهتموا بصورة خاصّة بما
يتعلّق بفصاحة القرآن وأسراره البلاغية