لقد ظهرت طلائع هذا التفويض من أوّل
سورة نزلت على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
حيث خاطبه الله سبحانه ، في اليوم الذي بعثه رسولاً إلى الناس وهادياً لهم بقوله :
(اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ
مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ
الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ
مَا لَمْ يَعْلَمْ) ( العلق : ١ ـ ٥ ).
وهذا الخطاب يؤذن بأن دينه ، دين
التلاوة والقرائة ، دين العلم والتعليم ، دين القلم والتحرير ، وأنّ هذا الدين سوف
يربي اُمة مفكرة ، متحضرة ، عالمة بقيمة التراث الذي يصل إليها ، قادرة على حفظ
هذا الدين في ضوء العلم والفكر ، مستعدة لنشر تعاليمه في أقطار العالم وأرجاء
الدنيا ، بأساليب صحيحة.
وقد بلغت عناية الإسلام بالقلم والكتابة
، إلى حد أن أقسم سبحانه : (وَالْقَلَمِ
وَمَا يَسْطُرُونَ) وأنزل سورة باسمه ، تمجيداً له وحثاً
للاُمة على تقديره والعناية به ، ليكون رائداً للتقدم والحضارة والمعرفة ، ويصير
أحسن ذريعة إلى حفظ التراث بلا حاجة إلى مبلغ سماوي.
ثم أنّه سبحانه ، صرح بهذا التفويض أي
تفويض أمر التبليغ إلى نفس الاُمّة في غير موضع من كتابه ، منها قوله سبحانه : (فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ
طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا
إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ( التوبة ـ
١٢٢ ).
ومنها قوله سبحانه : (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ) ( آل عمران ـ
١٠٤ ).
ومنها قوله سبحانه : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ( آل عمران ـ
١١٠ ).
وفي السنن والأحاديث تصاريح بذلك ،
نكتفي بما يلي :
قال الباقر عليهاالسلام : « أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر سبيل الأنبياء ، ومنهاج الصلحاء ، وفريضة بها تقام الفرائض ، وتأمن المذاهب
، وتحل المكاسب وترد