عاشراً / من حيث تناوله لأدق المعارف
العقلية ، والقضايا الاعتقادية الرفيعة التي لا تصل إليها أفكار البشر ، ولا
تبلغها علومهم ، ممّا يتعلّق بالله سبحانه وصفاته وأسمائه وأفعاله ، وما أخبر به
من عوالم غيبية في الملأ الأعلى ، والنشأة الاُخرى.
إلى غير ذلك من الجهات والوجوه التي
يقصر البيان عن الإحاطة بها ، وإحصائها في هذا المختصر.
غير أنّ الجهة الأخيرة من هذه الجهات
وهي التي كان يتوجب تناولها بالدراسة الوافية والتحليل الشامل ، وخاصة في عصرنا
الحاضر ، قد اُهملت في مؤلّفات المفسّرين غالباً فهم لم يدرسوها بجامعية تليق
بالموضوع وتناسب أهميته ، وتعطي حقه من العناية والبحث.
ولعلّ عذرهم في ذلك هو أنّ تفسيرهم
للكتاب العزيز كان على وجه التفسير التدريجي للقرآن ، أي التفسير سورة فسورة ،
وآية فآية ، ولم يتبادر إلى أذهانهم إنّ هناك نوعاً آخر من التفسير هو التفسير
الموضوعي الذي يفسّر الكتاب العزيز حسب المفاهيم والموضوعات ، وهو النمط الذي
أشرنا إليه في مقدمة الجزء الأوّل من هذه السلسلة القرآنية.
* * *
لزوم الاهتمام بالمعارف الإلهية
وإنّما ينبغي إعطاء المزيد من الاهتمام
بالمعارف الإلهية التي ترتبط بالله سبحانه ، وأسمائه وصفاته وأفعاله وغير ذلك ممّا
تناوله القرآن بالدقة المشهودة ، لأنّ تناول القرآن لهذه المعارف بهذا الشكل يدلّ
ـ بوضوح لا يقبل الجدل ـ على أنّ النبيّ الاُمّي صلىاللهعليهوآلهوسلم
لم يأخذ هذه المعارف إلاّ من مستقى ( الوحي ) ، إذ من المستحيل لابن الجزيرة
الخالية من أيّة حضارة وثقافة أن يأتي ـ في كتابه ـ بما أبهر عقول الفلاسفة
والمفكّرين ، في القديم والحديث ، وذلك من لدن نفسه وصنع فكره ، أو يكون قد
تلقّاها في مدرسة ، أو اقتبسها من معلّم في أرض لم يعرف أهلها إلاّ الأوهام ، ولم
يؤمنوا إلاّ بالخرافة ، فلا ثقافة