ولقد أثار إخفاق المسلمين وهزيمتهم في
هذه المعركة ، واستشهاد القادة الثلاثة ، لوعةً ونقمةً في نفوس المسلمين اتّجاه
الروم. كما أنّه زاد من جرأة جيوش الروم ، ولأجل ذلك توجّه الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى تبوك في السنة التاسعة يقصد غزو
ذلك الجيش المعادي ، ولكنّه لم يلق أحداً فأقام في تبوك أياماً ، وصالح أهلها على
الجزية ، وقد حققت هذه الحملة هدفاً كبيراً وبعيداً على الصعيد السياسيّ وأنست
تقهقر الجيش الإسلاميّ المحدود في طاقاته ، أمام جحافل الروم المجهّزة بأحسن تجهيز
[١].
ولم يكتف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بهذه الحملة ، بل عمد في أخريات حياته
إلى بناء جيش إسلاميّ بقيادة ( أسامة بن زيد ) لمواجهة جيش الروم [٢].
٣. خطر المنافقين
إنّ الدارس للمجتمع الإسلاميّ إبّان
الدعوة الإسلاميّة ، والمطّلع على تركيبته يجد ، أنّ ذلك المجتمع كان يزخر بوجود
المنافقين بين صفوفه.
والمنافقون هم الذين استسلموا للمدّ
الإسلاميّ وأسلموا بألسنتهم دون قلوبهم إمّا خوفاً أو طمعاً. فكانوا يتجاهرون
بالولاء للإسلام والمودّة للمسلمين ، ولكنّهم يضمرون لهم كل سوء ويتحيّنون الفرص ،
لتوجيه الضربات إلى الدين الجديد ، وضرب المسلمين بعضهم ببعض ، وإضعاف الدولة
الإسلاميّة من الداخل بإثارة الفتن ، بين أفرادها وأبنائها ، والسعي لتمزيق صفوفهم
وإشعال الحروب الداخليّة فيما بينهم بإيقاظ النخوة الجاهليّة التي طهّر الإسلام
أرض الجزيرة منها.
وربّما كانوا يتربّصون بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الدوائر ، حتّى أنّهم كادوا له ذات
مرّة ، وأرادوا أن يجفلوا به بعيره في العقبة عند عودته من حجة الوداع ، وربّما
اتّفقوا مع اليهود والمشركين لتوجيه الضربات إلى الكيان الإسلاميّ من الداخل
تخلّصاً من هذا الدين الذي هدّد