مهمل جانب الروح ، أوناس
جانب الجسد ، ويتجلّى هذا المنطق وهذا المنطلق في موقف القرآن الكريم من الدنيا
والآخرة ، فهو يرسم لنا كيف يجب أن يتعامل الإنسان مع كلّ واحد من هذين الجانبين ،
ولهذا يتعيّن علينا ـ قبل أي شيء ـ أن نلقي نظرة فاحصة على ما ذكره القرآن في هذا
الصعيد.
ورغم أنّ هذا البحث حول ( الدنيا
والآخرة ) في القرآن يعتبر من أهمّ البحوث وأوسعها لكثرة الآيات الواردة فيه ، إلاّ
أنّه ربّما غفل البعض عن موقف القرآن الحقيقيّ في هذه المسألة ، فخرج بتفسيرات
وتوجيهات بعيدة عن هدف الإسلام ، وروح تعاليمه الجامعة.
لقد نظر القرآن الكريم في آياته نظرة
شاملة جامعة إلى الدنيا والآخرة ، ولكن فريقاً من الناس لم يلاحظ إلاّ الآيات التي
تحث على الاستفادة من النعم الدنيويّة فوصف ( الإسلام ) بأنّه دين ماديّ المنزع
يسعى لضمان الجانب الماديّ فحسب ، في حين لاحظ فريق آخر تلك الآيات الذامة للدنيا
والآخذين بها ، والتي تصفها بأنّها ( متاع قليل ) ولذلك وصف الإسلام بأنّه يخالف
الدنيا ، وأنّه دين الآخرة ليس إلاّ ، في حين أنّ النظرة الشاملة لجميع الآيات
الواردة حول هذه المسألة تهدينا إلى غير ما ذهب إليه هذا ، أو ذاك الفريق. فهي
تقودنا إلى معرفة الموقف القرآني الحقيقيّ اتّجاه الدنيا والآخرة ، واتّجاه
الماديّة والمعنويّة.
ولمّا كان هذا البحث بحثاً قرآنياً
مفصّلاً ومستقلاً فإنّنا نكتفي هاهنا بعرض المسألة إجمالاً ، ونشير إلى بعض الآيات
تاركين تحقيق المطلب إلى موضع آخر.
إنّ الناظر إلى آيات القرآن الكريم حول
الدنيا يجدها على طوائف ثلاث :
١. طائفة مادحة للدنيا.
٢. طائفة ذامة لها.
٣. طائفة حاثّة على الأخذ بالدنيا
والآخرة معاً ومشيرة إلى أنّ الدنيا الملهية هي المذمومة دون غيرها.