كانت ( البيعة ) التي هي نوع من معاهدة
الرئيس ، من تقاليد العرب قبل الإسلام وسننهم ، ولم يكن الإسلام هو أوّل من ابتكر
ذلك ، وحيث كانت المبايعة ممّا تنفع المجتمع وتخدم مصالحه ، فقد أمضاها الدين
الإسلاميّ وجعلها من العقود اللازمة ، التي يجب العمل بها ، ويحرّم نقضها.
لقد بايع أهل المدينة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في السنة الحادية عشرة والثانية عشرة
في العقبة بمنى ، بايعوه مرّتين ففي الاُولى من البيعتين بايعوه على أن لا يشركوا
بالله ، ولا يسرقوا ولا يقترفوا فاحشةً ... و و ... [١].
ولقد خطى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في البيعة الثانية خطوةً أكبر حيث أخذ
البيعة من أهل المدينة على نصرته ، والدفاع عنه كما يدافعون عن أولادهم وأهليهم [٢].
لقد بايع أهل المدينة النبيّ ـ على
عاداتهم قبل الإسلام ـ حيث كانوا يبايعون زعماءهم.
إنّ البيعة نوع من العهد والمعاهدة ، والهدف
من إمضائها في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
لم يكن لتعيينه للحكم والرئاسة ، بل كان لإعطائه الميثاق على الوفاء ، والسير حسب
أوامره ، فالمسلمون الذين بايعوا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
في أوّل بيعة ، إنّما بايعوه على أن لا يشركوا بالله ، وأن يجتنبوا الفواحش ، ولا
يسرقوا ، وفي البيعة الثانية عاهدوا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
على أن ينصروه ، ويدافعوا عنه كما قلنا ، وفي كلتا الصورتين كانت زعامة النبيّ
ورئاسته محقّقة من قبل ، فهم كانوا بعد أن آمنوا بنبوّته ، وقيادته اقتضى إيمانهم
أن يسمعوا له ويطيعوا أمره ( فلا يشركوا ولا يزنوا ... ) ويحفظوه وينصروه ، ولكنّهم
أظهروا هذا السمع والطاعة وأكّدوهما عن طريق المبايعة معه [٣].