وإرسال الجيوش إلى
ميادين القتال ، واستحضار الأفراد للخدمة العسكريّة ، وما شابه ذلك ممّا يكون به
حفظ النظام وصيانته وإقراره ، ولمّا كان حفظ النظام واجباً مفروضاً عقلاً وشرعاً
وكان ممّا لا يتحقّق إلاّ بإقامة دولة قويّة ذات سلطة واقتدار ، يتراءى ـ في بادئ النظر
ـ أنّه يصطدم مع ما أقرّه الإسلام للإنسان من سلطة وسلطان على أمواله ونفسه ... فكان
الحلّ ، هو أن تكون الدولة المتصرفة واقعةً موقع رضاهم ، حتّى يكون التصرّف بإذنهم
ورضاهم ... حفظاً للقاعدة المسلّمة ( الناس مسلطون على أموالهم ) وعلى أنفسهم.
* * *
٨. الحكومة أمانةٌ عند الحاكم
إنّ تشكيل الدولة وانتخاب الحاكم الأعلى
، حقّ اجتماعيّ للاُمّة ولها أن تستوفي هذا الحق متى شاءت وأرادت وهذا يعني أنّ
الحكومة ( أمانة ) عند الحاكم تعطيها الاُمّة له ، وعليه أن يحرص على الأمانة غاية
الحرص ، ويواظب على أدائها أشدّ المواظبة.
أقول : إنّ هذه الحقيقة تستفاد من بعض
الآيات والأحاديث العديدة التي تصف الحكم بأنّه أمانة ، ومنها قول الله سبحانه : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا
الأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ
سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ
مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن
كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً) ( النساء : ٥٨ ـ ٥٩ ).
إنّ الخطاب في قوله سبحانه (يَأْمُرُكُمْ) موجّه إلى
الحكام بقرينة قوله (وَإِذَا
حَكَمْتُم)
وهذه قرينة على أنّ الأمانة المذكورة هي : الحكومة.
ويؤيّد كون المراد من الأمانة هو (
الحكومة ) ما جاء في الآية الثانية من الحثّ على إطاعة الله وإطاعة الرسول واولي
الأمر ، فمجيء هذه الآية عقيب الآية المتضمنة لكلمة الأمانة ، يؤيّد أنّ المراد
بالأمانة المذكورة هو ( الحكومة ) وأنّ الكلام في الآيتين إنمّا هو