فإذا كان هذا هو المتّبع عند الامم
السالفة في مسألة القيادة والخلافة بعد الانبياء ، وكان ذلك أمراً متكرراً
ومتعارفاً بينهم ، فالانصراف عن تلك الطريقة والإعراض عنها في الإسلام يحتاج إلى
التصريح والبيان.
الخلافة بالوصاية
ومن طالع الكتاب والسنّة بتتبّع وتوسّع
، لا يجد أي دليل يدلّ على ما يخالف هذه الطريقة ولا أي صارف عن الأخذ بها ، بل
يجد في ذينك المصدرين العظيمين المقدسين ما يدلّ على أنّ كلّ ما جرى على الامم
السابقة يجري على هذه الاُمّة إلاّ ما استثني ، وهو مبيّن.
ويدل على ذلك بصراحة لا تقبل جدلاً ما
روي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
أنّه قال : « كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلّما هلك نبيّ خلفه نبيّ ، وإنّه
لا نبيّ بعدي وسيكون خلفاء » [١].
وبما أنّ التلازم بين النبوّة
والاستخلاف ممّا تقتضيه طبيعة الحياة الاجتماعيّة وتؤكّده حياة الامم السالفة كما
ذكرنا لك ، لهذا نجد أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
بمجرد أنّ يصدع بنبوّته ، يواجه الناس بمسألة الخلافة من بعده ويشير إلى الخليفة
الذي سيخلفه ، والوصيّ الذي سيلي مهمّاته ومهامّه بعد وفاته ..
وهذا يدلّ على أنّ النبوة والاستخلاف (
وتعيين الخليفة بالوصاية ) متلازمان لا ينفصلان وتوأمان لا يفترقان ..
وإليك ما جرى في يوم الدار المعروف ، وهو
يثبت ما قلناه :
أخرج الطبريّ في تاريخه عن عبد الله بن
عبّاس عن علي بن أبي طالب قال : « لمّا
[١] أخرجه البخاري
ومسلم كما في جامع الاُصول لابن الاثير الجزريّ ٤ : ٤٨.