إنّ ملاحظة الآيات القرآنيّة الواردة
حول القيادة ، ومراجعة ما نقل وصحّ من الأحاديث والتأريخ في هذا المجال ، تفيد
ثلاث نقاط بارزة تؤيّد فكرة التنصيص على الخليفة ، وما أسميناه بالاستخلاف ، وتفيد
ـ بالتالي ـ أنّ المتّبع بين الامم الغابرة كان هو التنصيص والتعيين للقائد ، وليس
ترك الأمر إلى نظر الناس وانتخابهم.
وإليك هذه النقاط :
١. لقد كان المتّبع بين الانبياء
السابقين هو تسليم أمر من قاموا بهدايتهم وتربيتهم من الامم وسهروا في صياغتهم ، واجتهدوا
في تعليمهم ، إلى خلفاء صالحين لائقين [١].
ليتسنّى لتلك الامم والأقوام والجماعات ـ في ظلِّ الرعاية والتربية الصحيحة التي
يوليها الخلفاء والأوصياء ـ أن تستمر في طريق التكامل والرشد.
صحيح أنّ أكثر الذين كانوا يخلّفون
الانبياء كانوا من الانبياء أيضاً ، إلاّ أنّ بعضهم لم يكونوا من الانبياء ، بل
كانوا مجرد أوصياء يقومون بما يقوم به الإمام في الاُمّة الإسلاميّة.
وحتّى لو كان الخلفاء المذكورين من
الانبياء أيضاً ، فان ذلك يفيد قانوناً كليّاً هو أنّ مسألة القيادة والزعامة
والرئاسة بعد غياب النبيّ كان من الأهميّة والخطورة ، بحيث لم يترك أمرها إلى
اختيار الناس ونظرهم ، بل كانت تعهد على طول التاريخ إلى رجال أكفّاء ، يعيّنونهم
بالاسم والشخص ، لأنّ ترك تعيين القائد إلى اختيار الاُمّة قد يؤدي إلى الاختلاف
والفرقة والفتنة ، أو الاشتباه والخطأ في تعيين الراعي الصالح والقائد الكفوء.
٢. إنّ القيادة والرئاسة بين الامم
السالفة كانت تتحقّق بصورة وراثيّة غالباً ، فيتوارثها أفراد من سلالة الأنبياء
والرسل خلفاً عن سلف كما نلاحظ في الآيات التالية :
[١] هذا معلوم على
نحو الإجمال ، وإن لم نعلم خصوصيّات ولا أسماء تلكم الشخصيات الذين كانوا يخلفّون
الأنبياء السابقين.