نام کتاب : مجاز القرآن خصائصه الفنيّة وبلاغته العربيّة نویسنده : الصّغير، محمد حسين علي جلد : 1 صفحه : 154
ومندمجا فيه اندماجا
تاما يبرز قوله تعالى : ـ ( وأُشرِبوا في قلوبهم
العِجل(٩٣))[١].
والعجل ليس موضع ذلك ، بل المراد حب
العجل ، فحذف المضاف وأقام مقامه المضاف إليه ، للدلالة على هذه الحقيقة الثابتة ،
إذ أنزل العجل منزلة الحب ، لملابسته لهم في قلوبهم ، وتشرب قلوبهم بهذا الحب
الأعمى ، حتى عاد ذلك سمة من سماتهم ، وحقيقة تكشف عن واقع حالهم في الهوى والضلال.
٤ ـ وفي التأكيد على الشيء بإطلاق اسم
ضده عليه نقف عند قوله تعالى : ( فبشّرهم بعذاب أليم )[٢].
والبشارة إنما يصح التعبير بها في مواطن
الخير والكرامة ، لا في مظاهر الشدة والعناء ، وليس العذاب من مواطن الخير ، حتى
يبشر به العاصي ، ولكنه تعالى أطلقه عليه تجوزا من باب إطلاق اسم الضدين على الآخر
للنكاية والتشفي ، أو السخرية والتهكم ، وكلاهما يأتيان هنا لتأكيد وقوع العذاب
دون شك.
وقد حمل أبو مسلم ، محمد بن بحر قوله
تعالى : ( فبصرك اليوم حديد )[٣]
على هذا الملحظ ، باعتباره إخبارا مؤكدا عن قوة المعرفة ، لا من باب التأكيد على
الشيء باسم ضده ، لأن الجاهل بالله سبحانه في هذه الدنيا سيكون عارفا به تماما ، فأرادوا
بذلك العلم والمعرفة لا الإبصار بالعين[٤].
مما تقدم ، يتجلى لنا مدى سيرورة المجاز
اللغوي المرسل في القرآن ، وكثرة ذيوعه وانتشاره ، لأن مفردات هاتين الظاهرتين ما
هي إلا الرصد لمفردات مماثلة دون استيعاب ، ولكنها بالإضافة لما سبق من