هو معلوم في مثل هذه
المباحث مما يتعلق بالصوت منها ، وخلصت إلى القول بخلو القرآن العظيم من التنافر
في الكلمات ، أو التشادق في الألفاظ ، أو العسر في النطق ، أو المجانبة للأسماع ،
وكونه في الطبقة العليا من الكلام في تناسقه وتركيبه وتلاؤمه.
أما ما يتعلق بالأصوات من مخارجها في
موضوع التنافر فلهم بذلك رأيان :
الأول : أن التنافر يحصل بين البعد
الشديد أو القرب الشديد وقد نسب الرماني هذا الرأي إلى الخليل « وذلك أنه إذا
بَعٌد الشديد كان بمنزلة الطفر ، وإذا قرب القرب الشديد كان بمنزلة مشي المقيد ،
لأنه بمنزلة رفع اللسان ورده إلى مكانه ، وكلاهما صعب على اللسان ، والسهولة من
ذلك في الاعتدال ، ولذلك وقع في الكلام الإدغام والإبدال » [١].
الثاني : أن التنافر يحصل في قرب
المخارج فقط وهو ما يذهب إليه ابن سنان الخفاجي ( ت : ٤٦٦ هـ ) بقوله : « ولا أرى
التنافر في بعد ما بين مخارج الحروف وإنما هو في القرب. ويدل على صحة ذلك الاعتبار
، فإن هذه الكلمة « ألم » غير متنافرة ، وهي مع ذلك مبنية من حروف متباعدة المخارج
ـ لأن الهمزة من أقصى الحلق ، والميم من الشفتين ، واللام متوسطة بينهما. فأما
الإدغام والإبدال فشاهدان على أن التنافر في قرب الحروف دون بعدها ، لأنهما لا
يكادان يردان في الكلام إلا فراراً من تقارب الحروف ، وهذا الذي يجب عندي اعتماده
لأن التتبع والتأمل قاضيان بصحته » [٢].
وقد يتبعه بالرد على هذا الرأي ابن
الأثير ( ت : ٦٣٧ هـ ) فقال : « أما تباعد المخارج فإن معظم اللغة العربية دائر
عليه ... ولهذا أسقط الواضع حروفاً كثيرة في تأليف بعضها مع بعض استثقالاً
واستكراهاً ، فلم يؤلف بين حروف الحلق كالحاء والخاء والعين ، وكذلك لم يؤلف بين
الجيم والقاف ، ولا بين اللام والراء ، ولا بين الزاي والسين ، وكل هذا دليل على
عنايته