وهذا وإن كان خلافاً جوهرياً في ترتيب
مخارج الأصوات ، إلا أنه لا يعني أكثر من العملية الاجتهادية في الموضوع دون
الخروج عن الأصل عند الخليل. « كذلك نلاحظ اختلافاً واحداً في ترتيب المجموعات
الصوتية بالنظر إلى تقدمها وتأخرها ، فقد جاءت حروف الصغير في كتاب العين بعد
الضاد ، وهو حرف حافة اللسان ، والذي عند سيبويه بعد الضاد : حروف الذلاقة. ونتيجة
لتقديم حروف الصفير ، فقد وضع مكانها حروف الذلاقة ، ومعنى ذلك أنه في العين حدث
تبادل بين حروف الصفير وحروف الزلاقة » [٢].
إن الاختلاف من هذا القبيل لا يعدو وجهة
النظر الصوتية المختلفة ، ولكنه لا يمانع أن تكون آراء سيبويه في الكتاب امتداداً
طبيعياً لمدرسة الخليل ، نعم لا ينكر أن لسيبويه ابتكارته المقررة ، فنحن لا نبخس
حقه ، ولا نجحد أهميته في منهجة البحث الصوتي ، فقد كان له فضل بذلك لا ينكر ،
فتصنيفه لصفات الأصوات في الجهر والهمس والشدة والرخاوة والتوسط ، وكشفه لملامح
الإطباق واللين ، وتمييزه لمظاهر الاستطالة والمد والتفشي ، كل أولئك مما يتوّج
صوتيته بالأصالة.
ولسيبويه قدم سبق مشهود له في قضايا
الإدغام ، وهي معالم صوتية في الصميم ، فقد قدم لها بدراسة علم الأصوات ، كما قدم
الخليل معجمه بعلم الأصوات ، فالخليل قد ربط بين اللغة والصوت ، وسيبويه قد ربط
بين قضايا الصوت نفسها ، لأن الإدغام قضية صوتية « ونحن نقرر هنا مطمئنين أن
سيبويه قد وضع قواعد هذا البحث وأحكامه لا لفترة معينة من الزمن ،