مداه ، والصوت
العالي الفظيع يصطدم بعضه ببعض ، فلا أذن صاغية ، ولا نجدة متوقعة ، فقد وصل اليأس
أقصاه ، والقنوط منتهاه ، فالصراخ في شدة إطباقه ، وتراصف إيقاعه ، من توالى الصاد
والطاء ، وتقاطر الراء والخاء ، والترنم بالواو والنون يمثل لك رنة هذا الاصطراخ
المدوي « والاصطراخ الصياح والنداء والاستغاثة : افتعال من الصراخ قلبت التاء طاء
لأجل الصاد الساكنة قبلها ، وإنما نفعل ذلك لتعديل الحروف بحرف وسط بين حرفين
يوافق الصاد في الاستعلاء والإطباق ، ويوافق التاء في المخرج » [١].
والإصراخ هو الإغاثة ، وتبلية الصارخ ،
وقوله تعالى : (ما أنا
بمصرخكم وما أنتم بمصرخي )[٢].تعني
البراءة المتناهية ، والإحباط التام ، والصوت المجلجل في الدفع ، فلا يغني بعضهم
عن بعض شيئاً ، ولا ينجي أحدهما الآخر من عذاب الله ، ولا يغيثه مما نزل به ، فلا
إنقاذ ولا خلاص ولا صريخ من هذه الهوة ، وتلك النازلة ، فلا الشيطان بمغيثهم ، ولا
هم بمغيثيه.
والصريخ في اللغة يعني المغيث والمستغث
، فهو من الأضداد ، وفي المثل : عبد صريخه أمة ، أي ناصره أذل منه [٣]. وقد قال تعالى : (فلا صريخ لهم ولا هم ينفذون )[٤].
فيا له من موقف خاسر ، وجهد بائر ، فلا سماع حتى لصوت الاستغاثة ، ولا إجارة مما
وقعوا فيه.
والاستصراخ الإغاثة ، واستصرخ الإنسان
إذا أتاه الصارخ ، وهو الصوت يعلمه بأمر حادث ليستعين به [٥].
قال تعالى : ( فإذا الذي
استنصره بالأمس يستصرخه )[٦]. طلب للنجدة
في فزع ، ومحاولة للإنقاذ في رهب ، والاستعانة على العدو بما يردعه عن