نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 4 صفحه : 78
٢ ـ هل طلب قضاء الحاجة
بأسباب غير طبيعية معيار للشرك ؟
يرى المودودي ان التوسل بالأسباب
الطبيعية ليس بشرك ، أمّا طلب الحاجة وإنجازها بأسباب غيرها فهو يلازم الشرك. يقول
: فالمرء إذا كان أصابه العطش فدعا خادمه وأمره بإحضار الماء ، لا يطلق عليه حكم
الدعاء ، ولا أن الرجل اتخذ إلهاً ، وذلك أنّ كل ما فعله الرجل جار على قانون
العلل والأسباب ، ولكن إذا استغاث بولىّ في هذا الحال فلا شك أنّه دعاه لتفريج
الكربة واتّخذه إلهاً ، فكأنّي به يراه سميعاً بصيراً ، ويزعم أنّ له نوعاً من
السلطة على عالم الأسباب مما يجعله قادراً على أن يقوم بإبلاغه الماء ، أو شفائه
من المرض [١].
أقول : إنّ ما ذكره صورة أُخرى للمعيار
الأول ، وكلاهما وجهان لعملة واحدة ، فإنّ طلب التوسل بالأسباب غير الطبيعية لا
ينفك عن الاعتقاد بكونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة.
يلاحظ عليه : أنّ المودودي تصوّر أنّ
طلب التوسل بالأسباب الطبيعية ليس بشرك ، وإنّما الشرك هو طلب التوسل بغيرها.
والحال أنّ كلا منهما على وجهين : فلو تصوّر أنّ القائم بعمل على وفق الأُصول
الطبيعية ، إنّما يقوم به عند نفسه وباقتدار مستقل من دون اعتماد على اقداره سبحانه
واستئذان منه ، فقد اعتقد بألوهيته وطلب فعل الإله من غيره ، وأمّا إذا اعتقد أنّ
الخادم يحضر الماء بقدرة مكتسبة واستئذان منه فهو نفس التوحيد. ومثله الكلام في
الأسباب غير الطبيعية ، فلا شك أنّ أُمة المسيح كانوا يعتقدون في حقه ـ بعدما رأوا
الآيات والمعجزات منه ـ أنّ له سلطة غيبية ، وكانوا يسألونه إبراء مرضاهم وإحياء
موتاهم ، أفهل يتصوّر أنّ سؤالهم هذا كان شركاً؟ وأنّ المسيح كان مجيباً لدعوتهم
الشركية؟! فمن ذا الّذي يسمع قول المسيح بين بني إسرائيل : ( أنّي
أخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطّينِ كَهَيئَةِ الطّيرِ فَأنْفُخُ فِيْهِ فَيَكُونُ طَيراً
بإذنِ اللّهِ وابْرَىءُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ واحيِ المَوْتى بِإذنِ اللّهِ
وأُنَبِّئُكُم بِما تَأكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي