نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 3 صفحه : 123
الأوزاعي : أمّا
الأوّل فإنّ الله تعالى قضى على ما نهى ، نهى آدم عن الأكل من الشجرة ثمّ قضى عليه
بأكلها. أمّا الثاني فإنّ الله تعالى حال دون ما أمر ، أمرإبليس بالسجود لآدم ثمّ
حال بينه وبين السجود ، وأمّا الثالث ، فإنّ الله تعالى أعان على ما حرّم ، حرّم
الميتة والدم ولحم الخنزير ، ثمّ أعان عليها بالاضطرار ... [١].
يلاحظ على هذه المناظرة :
أوّلاً
: أنّ الجهل بهذه الأسئلة الثلاثة لوكان مبرّراً لضرب العنق ، فهشام بن عبدالملك
خليفة الزمان أولى بهذا ، لأنّه كان أيضاً جاهلاً بها بدليل استفساره عنها من
الأوزاعي. فلماذا لا تضرب عنقه أيضاً؟ وهذا يعرب عن أنّ الحكم بالإعدام كان صادراً
قبل المناظرة ، وإنّما كانت المناظرة بين يدي الأوزاعي تبريراً للإعدام حتّى لا
يقال إنّ الحكم صدر إعتباطاً.
ثانياً
: ما سأله الأوزاعي عنه ثمّ أجاب عنه ، يدل على أنّه كان يمشي على خطّ الجبر ، وأنّه
كان معتقداً بأنّ قضاء الله يسلب عن الإنسان الحريّة والإختيار. فكان أكل آدم من
الشجرة بقضاء من الله وما كان له محيص عن الأكل ، كما أنّ تخلّف إبليس عن السجود
كان بقضاء الله ولم يكن له مفرّ عن المعصية. وقد حال سبحانه بينه وبين السجود على
آدم ، ومن المعلوم أنّ غيلان الدمشقي وكلّ موحّد يعتقد بصحّة بعث الرّسل وصحّة
التكليف ... لا يراه صحيحاً.
ثالثاً
: إنّ المناظرة لم تكن مبنيّة على اُصولها. فإنّ من أدب المناظرة أن يطرح السؤال
أو الإشكال على وجه واضح ، حتى يتدبّر الآخر فيما يرتئيه المناظر من الجواب ، وأمّا
الأسئلة الّتي طرحها الفقيه الأوزاعي فإنّها أشبه بالأحاجى واللّغز، لا يستفاد
منها إلاّ في مواضع خاصّة لاختبار ذكاء الإنسان ، ولم يكن المقام إلاّ مقام السيف
والدم لا الإختبار للذكاء.
[١] تاريخ المذاهب
الاسلاميّة ج ١ ص ١٢٧ ـ ١٢٨ نقلاً عن العقد الفريد وشرح العيون في شرح رسالة ابن
زيدون.
نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 3 صفحه : 123