نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 2 صفحه : 32
ملامح المذهب الأشعري
إنّ الاطّلاع التفصيلي على ملامح وسمات
مذهب الإمام الأشعري يتطلب سبر أغوار كتبه على الوجه التفصيلي ، وعرض آرائه
وأنظاره ، غير أنّا هنا نركز على أمرين رئيسيّين يميّزان ذلك المذهب عمّا تقدمه من
مذهب المحدّثين ، وإليك بيانهما :
١ ـ عدم عزل «العقل» في مجال العقائد
كانت المعتزلة تعتمد على العقل في
المسائل الكلامية ، ويؤوّلون النصوص القرآنية عندما يجدونها مخالفة لآرائهم ـ
بزعمهم ـ ولا يكادون يعتمدون على السنة ، ولأجل ذلك نرى أنّهم أوّلوا الآيات
الكثيرة الواردة حول الشفاعة ـ الدالّة على غفران الذنوب بشفاعة الشافعين ـ بأنّ
المراد رفع درجات الصالحين بشفاعة الشفعاء ، لا غفران ذنوب الفاسقين.
وكان المحدّثون يرون الكتاب والسنّة
مصدراً للعقائد ، وينكرون العقل ورسالته في مجالها ، ولم يعدّوه من أدوات المعرفة
في الأُصول ، فكيف في الفروع ، ولا شكّ أنّ هذا خسارة كبيرة لا تجبر.
وقد جاء الإمام الأشعري بمنهج معتدل بين
المنهجين ، وقد أعلن أنّ المصدر الرئيسي للعقائد هو الكتاب والسنّة ، وفي الوقت
نفسه خالف أهل الحديث بذكاء خاص عن طريق استغلال البراهين العقلية والكلامية على
ما جاء في الكتاب والسنة.
كان أهل الحديث يحرّمون الخوض في الكلام
، وإقامة الدلائل العقلية على العقائد الإسلامية ، ويكتفون بظواهر النصوص
والأحاديث ، ولكن الأشعري بعد براءته من الاعتزال وجنوحه إلى منهج أهل الحديث ،
كتب رسالة خاصة في استحسان الخوض في الكلام [١].
وبذلك جعل نفسه هدفاً لعتاب
[١] طبعت الرسالة
لأوّل مرّة مع اللمع في بيروت عام ١٩٥٣م ، ومستقلة في حيدر آباد الدكن في الهند
عام ١٣٤٤ هـ ، وسيوافيك نصها.
نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 2 صفحه : 32