نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 2 صفحه : 124
الصادر الأوّل من
العقول والنفوس والأنوار الملكوتية.
ب : أن يتحقّق بقدرة مفاضة منه سبحانه
إلى العبد ، قائمة بقدرته ، وموجدة بحوله وقوته ، فالفعل مقدور للعبد بلا واسطة ،
ومقدور لله سبحانه عن طريق القدرة التي أعطاها له ، واقدر عبده بهاعلى الفعل ،
فيكون الفعل فعل الله من جهة ، وفعل العبد من جهة أُخرى.
وباختصار : إنّ العوالم الممكنة من
عاليها إلى سافلها متساوية النسبة إلى قدرته سبحانه ، فالجليل والحقير ، والثقيل
والخفيف عنده سواسية ، لكن ليس معنى الاستواء هو قيامه تعالى بكلّ شيء مباشرة وخلع
التأثير عن الأسباب والعلل ، بل يعني أنّ الله سبحانه يظهر قدرته وسلطانه عن طريق
خلق الأسباب ، وبعث العلل نحو المسببات والمعاليل ، والكلّ مخلوق له ، ومظاهر
قدرته وحوله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.
فالأشعري ، خلع الأسباب والعلل وهي جنود
الله سبحانه عن مقام التأثير والإيجاد ، كما أنّ المعتزلي عزل سلطانه عن ملكه وجعل
بعضاً منه في سلطان غيره ، أعني : فعل العبد في سلطانه.
والحقّ الذي عليه البرهان ويصدّقه
الكتاب هو كون الفعل موجوداً بقدرتين ، لكن لا بقدرتين متساويتين ، ولا بمنعى
علّتين تامّتين ، بل بمعنى كون الثانية من مظاهر القدرة الأُولى وشؤونها وجنودها :
(وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ)[١] وقد جرت سنّة الله تعالى على
خلقالأشياء بأسبابها ، فجعل لكلّ شيء سبباً ، وللسبب سبباً ، إلى أن ينتهي إليه
سبحانه ، والمجموع من الأسباب الطولية علّة واحدة تامة كافية لإيجاد الفعل ،
والتفصيل يطلب من محله ، ونكتفي في المقام بكلمة عن الإمام الصادق عليهالسلام : « أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ
بأسباب ، فجعل لكلّ شيء سبباً ، وجعل لكلّ سبب شرحاً ». [٢]