وربما يريد الكاتب من عبارته معنى آخر ،
وهو أنّ النبي صلىاللهعليهوآله
لا يصح له أن يقدم على مثل هذا التنبّؤ ، لأنّه إقدام غير مرغوب فيه ، لما يحتوي
على الإضرار بالأُمّة ، ولكن هذا الرأي منقوض أيضاً بتنبّؤات أُخرى تضاهي المورد
هذا ، فهذا هو النبي صلىاللهعليهوآله
يتنبّأ بالمستقبل المظلم الذي يواجهه ذو الخويصرة من وجوه الخوارج الذي أتي النبي صلىاللهعليهوآله وهو يقسمالغنائم بعد منصرفهم من حنين
فقال للنبي صلىاللهعليهوآله : يا
رسولاللّه اعدل ، فقال رسول اللّه صلىاللهعليهوآله
: « ويلك من يعدل إن لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أعدل » ، فقال عمر بن الخطاب : يا
رسول اللّه ائذن لي فيه أن أضرب عنقه؟ قال : « دعه فإنّ له أصحاباً يحقّر أحدكم
صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من
الإسلام كما يرمق السهم من الرميّة ، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ». [٢]
فأي فرق بين هذا التنبّؤ ونظائره
الواردة في أحاديث النبي صلىاللهعليهوآله
، والتنبّؤ بافتراق أُمّته إلى الفرق المعدودة؟
وأمّا دليله الثالث ، فعجيب جداً ، فقد
رواه أبو داود ( ٢٠٢ ـ ٢٧٥ ) في سننه ، والترمذي ( ٢٠٩ ـ ٢٧٩ ) في صحيحه ، وابن
ماجة ( ٢١٨ ـ ٢٧٦ ) في سننه ، وأحمد بن حنبل ( ٢٤١ ) في مسنده ، والجميع من أعيان
أصحاب الحديث في القرن الثالث ، فكيف يقول هذا الكاتب : « بل ولا الثالث الهجري
»؟! وإليك بعض ما أسندوه :
١ ـ روى أبو داود في كتاب السنة ، عن
أبي هريرة قال : قال رسول اللّه : افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ،
وتفرّقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أُمّتي على ثلاث وسبعين
فرقة ».
ثمّ روى عن معاوية بن أبي سفيان أنّ
رسول اللّه صلىاللهعليهوآله قام فينا
فقال : « ألا إنّ من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ،