نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 1 صفحه : 283
وذكر : إنّ الذي أوقعهم فيه تشتت
الأهواء ، وترك كتاب اللّه تعالى ، ألم تر إلى قوله : (قُلْ هاتُوا بُرهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقيِن)[١]. فافهم
أيّها الأمير ما أقوله ، فإنّ ما نهى اللّه عنه فليس منه ، لأنّه لا يرضى ما يسخط
، وهو من العباد ، فإنّه تعالى يقول : (ولا يَرضى
لِعبادِهِ الكُفرَ وَإِنْ تشكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ). [٢]
فلو كان الكفر من قضائه وقدره ، لرضي به
ممّن عمله ، وقال تعالى : (وَقَضى
ربُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إيّاهُ)[٣] ؟! وقال : (وَالّذي قدَّرَ فَهَدى)[٤] ولم يقل والذي قدّر فأضل ، لقد أحكم
اللّه آياته وسنّة نبيّه عليهالسلام
فقال : (قُلْ إِنْ ضَلَلتُ
فَإِنّما أَضِلُّ عَلى نَفسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِليَّ رَبِّّي )[٥].
وقال : (الّذي أَعطى كُلَّ
شَيْء خَلْقَهُ ثُمّ هَدَى)[٦].
ولم يقل ثمّ أضل ، وقال : (إِنّ
عَلَيْنا لَلْهُدى)[٧]
، ولم يقل إنّ علينا للضلال ولا يجوز أن ينهى العباد عن شيء في العلانية ، ويقدره
عليهم في السر ، ربّنا أكرم من ذلك وأرحم ولو كان الأمر كما يقول الجاهلون ما كان
تعالى يقول : (اعْمَلُوا
ما شِئْتُم)[٨].
ولقال : اعملوا ما قدرت عليكم ، وقال : (لِمَنْ
شاءَ مِنْكُمْ أنْ يَتَقدَّمَ أو يَتَأخَّرَ)[٩]. لأنّه جعل فيهم من القوّة ذلك لينظر
كيف يعملون ، ولو كان الأمر كما قاله المخطئون ، لما كان إليهم أن يتقدّموا ولا
يتأخّروا ، ولا كان لمتقدم حمد فيما عمل ، ولا على متأخّر لوم ، ولقال : جزاء بما
عمل بهم ، ولم يقل جزاء بما عملوا وبما كسبوا ، وقال تعالى : (وَنَفْس وَما سَوّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها