responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الإلهيات على هدى الكتاب والسُّنة والعقل نویسنده : مكي العاملي، محمد    جلد : 3  صفحه : 75

الجهة الثالثة

ما هي العلةُ المحدثةُ للمعجزة؟

قد وقفت في الجهة السابقة على أنّ القولَ بالمعاجز لا يضعضع أصل العِلّية، وأنّ عدم العلّة العادية في موردها لا يدلّ على تحقق المعاجز بلا علّة أصلاً، بل لها علّة غير معروفة بين العلل الّتي يشاهدها الإنسان. والكلام في هذه الجهة يقع في تعيين تلك العلة، وفيها أقوال واحتمالات:

القول الأول ـ إنّها الله سبحانه

ربما يحتمل أن تكون العلّة هي الله سبحانه، وأنّه يقوم بإيجاد المعاجز والكرامات مباشرة من دون توسط علل وأسباب. فكما هو أوجب المادة الأولى وأجرى فيها عللاً وأنظمة، قام في فترات خاصة بخلقِ الثعبان من العصا الخشبية، وتفجير الماء من الصخور الصَّمَّاء... وغير ذلك من خوارق الطبيعة والعادة.

ولكن هذا ـ وإن كان أمراً ممكناً، لعموم قدرته تعالى على كل شيء ممكن بذاته ـ إلاّ أنّه على خلاف ما عرفناه من الربّ تعالى من سنته الّتي أجراها في الكون، وهي أن يكون لكل شيء سبباً وعلّة. ومن البعيد أن يخالف تعالى سنته في مجال المعاجز[1].


[1] هذا، على أنُ انتساب الحوادث المتجددة المتقضية بلا واسطة علل وأسباب، إلى الله تعالى الُمُنَزَّه عن التجدد والحوادث، ممّا لا تتقبله الأصول الفلسفية المبتنية على لزوم وجود السنخية بين العلّة والمعلول، سنخية ظلية لا توليدية. وهذا مفقود بينه سبحانه، والزمان والزمانيات الّتي طبعت على التجدد والتقضّي. وهذا هو البحث الّذي طرحه الفلاسفة عند بحثهم عن ارتباط الحادث بالقديم، وهو من مشكلات البحوث الفلسفية.
ولا ينافي هذا عموم القدرة، فإنّ عمومها أمر ثابت ومسلّم، إلاّ أنّ الشيء ربما لا يقبل الوجود إلاّ عن طريق أسباب وعلل مادية، أي يكون وجوده على نحو لا يتحقق إلاّ في ظل علل مادية. وهذا ـ من باب التقريب ـ كالأرقام الرياضية، فإنّ العدد خمسة ـ بوصف أنّه خمسة ـ لا يتحقق إلاّ بعد تحقق الأربعة، ويستحيل تحققه ـ بهذا الوصف ـ استقلالاً بلا تحقق آحاد قبله. وهذا كصدور الأكل من إنسان معين، فإنّ الأكل يتوقف على وجود أسباب وأدوات مادية، كالفم واللسان والأسنان، وعملية المضغ ثم البلع. وهذا النوع من الفعل لا يمكن أن ينسب إلى الله سبحانه نسبة مباشرية، وإنّما ينسب إليه دائماً نسبة تسبيبيّة، لأنّ ماهيته محاطة بالأمور المادية.

نام کتاب : الإلهيات على هدى الكتاب والسُّنة والعقل نویسنده : مكي العاملي، محمد    جلد : 3  صفحه : 75
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست